للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

المعنى (١): دار الآخرة خيرٌ من الدنيا على الإطلاق، فإن الآخرة كالجوهر والدنيا كالخزف، وقيمة الجوهر أرفع من قيمة الخزف، بل لا مناسبة بينهما أصلًا.

{وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ}؛ أي: وعزة الله وجلاله لنعم وحسن دار المتقين دار الآخرة، فالمخصوص بالمدح محذوف لدلالة ما قبله عليه، وقال الحسن: دار المتقين الدنيا لأنهم منها يتزودون للآخرة، والقول (٢) الأول أولى، وهو قول جمهور المفسرين؛

٣١ - لأن الله فسر هذه الدار بقوله: {جَنَّاتُ عَدْنٍ} عدن علم على طبقة من طبقات الجنة الثمانية؛ أي: لهم بساتين عدن حال كونهم {يَدْخُلُونَهَا} حال كونها {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا}؛ أي: من تحت منازلها وأشجارها {الْأَنْهَارُ} الأربعة على أن يكون المنبع فيها بشهادة مِنْ، {لَهُمْ} خبر مقدم {فِيهَا}؛ أي: في تلك الجنات حال من المبتدأ المؤخر، وهو قوله {مَا يَشَاءُونَ} ويحبون من أنواع المشتهيات، مما لا عين رأت ولا أذن سمعت، قال البيضاوي: في تقديم الظرف تنبيهٌ (٣) على أن الإنسان لا يجد جميع ما يريده إلا في الجنة اهـ.

قال بعضهم: إن قلت (٤) هل يجوز للمرء أن يشتهي في الجنة اللواطة، وقد ذهب إليه من لا وقوف له على جلية الحال؟

فالجواب: أن الاشتهاء المذكور مخالف لحكمة الرب الغفور، ولو جاز هو .. لجاز نكاح الأمهات فيها، على تقدير الاشتهاء، وإنه مما لا يستريب عاقل في بطلانه، ألا ترى أن المذكور وكذا الزنى واللواطة والكذب ونحوها، كان حرامًا مؤبدًا في الدنيا في جميع الأديان، لكونه مما لا تقتضي الحكمة حله، بخلاف الخمر ونحوها، ولذا كانت هي أحد الأنهار الجارية فيها، فنسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن لا يستطيب ما استخبثته الطباع السليمة.

{كَذَلِكَ}؛ أي: مثل ذلك الجزاء الأوفى {يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ} والمراد بالمتقين كل من يتقي الشرك، وما يوجب النار من المعاصي، والموصول في


(١) روح البيان.
(٢) الخازن.
(٣) بيضاوي.
(٤) روح البيان.