للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

على الكفر بالعذاب الهائل الدنيوي المتصل بالعذاب الخالد الأخروي {وَمَا هَدَى}؛ أي: وما أرشدهم قط إلى طريق موصل إلى مطلب من المطالب الدينية والدنيوية، وهو (١) تقرير لإضلاله، وتأكيد له، إذ: رب مضل قد يرشد من يضله إلى بعض مطالبه، وفيه نوع تهكم، فإن نفي الهداية من شخصٍ مشعر بكونه ممن تتصور منه الهداية في الجملة، وذلك إنما يتصور في حقه بطريق التهكم. أو المعنى؛ أي: أضلهم عن الرشد وما هداهم إلى طريق النجاة؛ لأنه قدر أن موسى ومن معه لا يفوتونه، لكونهم بين يديه، يمشون في طريق يابسة، وبين أيديهم البحر.

٨٠ - ثم شرع سبحانه يعدد نعمه على بني إسرائيل، فقال: {يَا بَنِي إِسْرَائِيل}؛ أي: وقلنا لهم بعد إغراق فرعون وقومه، وإنجائهم منهم: يا أولاد يعقوب {قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ} فرعون وقومه، حيث كانوا يذبحون أبناءكم، ويستحيون نساءكم، ويستخدمونكم في الأعمال الشاقة، وذلك بإغراقه وإغراق قومه في البحر، بمرأى من بني إسرائيل، كما قال: {وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} والعدو: يجيء بمعنى الوحدة، وبمعنى الجماعة {وَوَاعَدْنَاكُمْ} بوساطة نبيكم موسى - عليه السلام - {جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ}؛ أي: إتيان جانبه الأيمن، نظرًا إلى السالك من مصر إلى الشام، وإلا فليس للجبل يمين ولا يسار، والمراد: يمين الشخص، فإذا قيل: خذ عن يمين الجبل، معناه: عن يمينك من الجبل؛ أي: واعدناكم إتيان موسى للمناجاة، وإنزال التوراة عليه، ونسبة المواعدة إليهم مع كونها لموسى نظرًا إلى ملابستها إياهم، وسراية منفعتها إليهم، قال النحاس: والمعنى أمرنا موسى أن يأمركم بالخروج معه، لنكلمه بحضرتكم، فتسمعوا الكلام، وقيل: وعد موسى بعد إغراق فرعون أن يأتي جانب الطور، فالوعد كان لموسى، وإنما خوطبوا به لأن الوعد كان لأجلهم، وانتصاب (٢) {جَانِبَ} على أنه مفعول به، لا على الظرفية؛ لأنه مكان معين غير مبهم، وإما تنتصب الأمكنة على الظرفية إذا كانت مبهمة، قال مكي: وهذا أصل لا خلاف فيه، وقرأ أبو عمرو، وأبو جعفر،


(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.