أنفسهم على أقوالهم، ولم يراقبوه في أفعالهم، ولم يفكّروا فيما يرضيه، بل جروا في ريائهم على ما ألفوا وتعودوا، فهم يعملون عمل المخادعين، وما يشعرون، فإذا عرض لهم زاجر من الدين يحول بينهم وبين ما يشتهون، وجدوا لهم من المعاذير ما يسهّل أمره، إمّا بأمل في المغفرة، أو تحريف في أوامر الكتاب، لما رسخ في نفوسهم من عقائد الزيغ التي يسمّونها إيمانا، وهم في الحقيقة مخدوعون، وعن الصراط السويّ ناكبون.
والمشاهد: أنّ الإنسان إذا همّ بعمل وناجى، وجد كأنّ في قلبه خصمين مختصمين:
أحدهما: يميل به إلى اللذة، ويسير به في طريق الضلال والغواية.
وثانيهما: يأمره بالسير في الطريق القويم، وينهاه عن اتباع النفس والهوى.
ولقد جاء في كلامهم عن المتردّد:(فلان يشاور نفسه) ولا يترجّح عنده جانب الشرّ إلّا إذا خدع نفسه، وصرفها عن الحقّ، وزيّن لها اتباع الباطل. وإنّما يكون ذلك بعد مشاورة ومذاكرة، تجول في الخاطر، وتهجس في النفس، ربّما لا يلتفت إليها الإنسان، ولا يشعر بما يجول بين جنبيه.
١٠ - {فِي قُلُوبِهِمْ}؛ أي: في قلوب هؤلاء المنافقين وعقولهم، فالمراد بالقلوب هنا: العقول، وهو تعبير معروف عند العرب. {مَرَضٌ}؛ أي: مرض معنوي الذي هو الشكّ، والكفر، والنفاق. والمرض: حقيقة فيما يعرض للبدن، فيخرجه عن الاعتدال اللائق، ويوجب الخلل في أفاعيله، ويؤدّي إلى الموت. ومجاز في الأعراض النفسانية التي تخلّ بكمالها: كالجهل، وسوء العقيدة، والحسد، والضغينة، وحبّ المعاصي، وغير ذلك من فنون الكفر المؤدي إلى الهلاك الروحاني؛ لأنّها مانعة عن نيل الفضائل، أو مؤدّية إلى زوال الحياة الحقيقية الأبدية، والآية الكريمة تحتملها، فإنّ قلوبهم كانت متألّمة تحرّقا على ما فات عنهم من الرياسة، وحسدا على ما يرون من ثبات أمر الرسول صلّى الله عليه وسلّم واستعلاء شأنه يوما فيوما.
{فَزادَهُمُ اللَّهُ} على مرضهم الأول {مَرَضًا} آخر بما أنزله من القرآن؛ لأنّ