للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الشجرة: يا موسى إني أنا الله ربك ورب العالمين جميعًا، وقد خلق الله فيه علمًا يقينيًا بأن المتكلم هو الله تعالى، وأن ذلك الكلام كلامه، وقد جُعلت الشجرة مباركة, لأنه تعالى كلم موسى هناك، وبعثه نبيًا،

٣١ - ثم أمره الله سبحانه أن يُلقي عصاه لديه آية على نبوته، فقال: {وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ} معطوف على {أَنْ يَا مُوسَى}، وكلاهما مفسِّر لـ {نُودِيَ}، أي: ونودي أن ألق واطرح من يدك عصاك، فألقاها فصارت حية فاهتزت.

{فَلَمَّا رَآهَا}؛ أي: فلما رأى موسى عصاه حية {تَهْتَزُّ}؛ أي: تتحرك تحركًا شديدًا حالة كونها {كَأَنَّهَا جَانٌّ}؛ أي: حية صغيرة في سرعة الحركة، مع عظم جسمها، أو في الهيئة والجثة، فإنها إنما كانت ثعبانًا عند فرعون، والجان حية كحلاء العين لا تؤذي، كثيرة في الدور، {وَلَّى}؛ أي: أعرض عنها حالة كونه {مُدْبِرًا}؛ أي: منهزمًا وهاربًا من الخوف.

{وَ} حالة كونه {لَمْ يُعَقِّبْ} ولم يرجع إليها, ولم يلتفت، فنودي {يَا مُوسَى أَقْبِلْ} إليها وارجع {وَلَا تَخَفْ} منها {إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ} من شرها، فإني لا يخاف لدي المرسلون، فأخذها موسى فإذا هي عصا كما كانت.

فإن قلت (١): ما الفائدة في إلقائها؟

فلتُ: أن يألفها ولا يخافها عند فرعون إذا ناظره بقلب العصا وغيره من المعجزات، كما في "الأسئلة المقحمة"، وقيل: المعنى أقبل إليَّ يا موسى ولا تخف مما تهرب منه، فإنك آمن من أن ينالك سوء، إنما هي عصاك، أردنا أن نريك فيها آية كبرى، لتكون عونك لدى الطاغية الجبار فرعون ملك مصر.

وفيه (٢): إشارة إلى إلقاء كل متوكأ، غير الله، فمن اتكأ على الله أمن, ومن اتكأ على غيره وقع في الخوف، ريقال: شتَّان ما بين نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وبين موسى عليه السلام، موسى رجع من سماع الخطاب، وأتى بثعبان سلَّطه على عدوه، ونبينا عليه السلام أُسري به إلى محل الدنو فأوحي إليه ما أوحي، ورجع وأتى


(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.