لأنهم لو كان لهم عقل كامل .. لعلموا أن خدمة الخالق المنعم بغاية التعظيم لا تكون مهزؤًا بها، فإنَّه أحسن أعمال العباد، وأشرف أفعالهم، ولذلك قال بعض الحكماء: أشرف الحركات الصلاة، وأنفع السكنات الصيام يعني: أن هزؤهم ولعبهم من أفعال السفهاء والجهال الذين لا عقل لهم.
وخلاصة المعنى: أي ذلك الفعل الذي يفعلونه وهو الهزؤ والسخرية: إنما كان لجهلهم بحقيقة الأديان، وما أوجب الله فيها من تعظيمه والثناء عليه بما هو أهله، ولو كان عندهم عقل .. لخشعت قلوبهم كلما سمعوا المؤذن يكبر الله تعالى ويمجده بصوته الندي، ويدعو إلى الصلاة له، والفلاح بمناجاته وذكره، فهو ذكر مؤثر في النفوس لا تخفى محاسنه على من يعقل الحكمة في إرسال الشرائع، ويؤمن بالله العلي الكبير.
٥٩ - {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ} الخطاب فيه للنبي - صلى الله عليه وسلم -؛ أي: قل يا محمد لهؤلاء اليهود والنصارى الذين اتخذوا دينك هزوًا ولعبًا والاستفهام في قوله: {هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا} إنكاري تهكمي؛ أي: هل تكرهون منا أو تعيبون علينا من شيء {إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ} وحده {و} بـ {مَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} من القران الكريم {و} بـ {ما أنزل من قبل} على رسله سبحانه وتعالى من التوراة والإنجيل والزبور وسائر الكتب الإلهية، وهذا على سبيل التعجب من فعل أهل الكتاب، والمعنى: هل تجدون علينا عيبًا في الدين إلا الإيمان بالله وبما أنزل إلينا وبما أنزل على جميع الأنبياء من قبل؟ وهذا ليس مما ينكر أو ينقسم منه، وهذا كما قال بعضهم:
يعني: أنه ليس فيهم عيب إلا ذلك، وهذا ليس بعيب بل هو مدح عظيم لهم، والحاصل: أن هذا ديننا الحق، وطريقنا المستقيم، فلم تنقمونه علينا وقوله:{وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ} عطف (١) على المجرور؛ أي: وما تنقمون منا إلا الإيمان بالله، وما أنزل، وبأن أكثركم فاسقون، والمعنى: أعاديتمونا لأنَّا اعتقدنا توحيد الله وصدق أنبيائه وفسقكم لمخالفتكم لنا في ذلك؛ أي: وما تكرهون من