بالغيب، قد أسرعوا في تكذيبه قبل أن يتدبروا أمره، أو ينتظروا وقوع ما أخبر به، وفي تكذيب الشيء قبل علمه المتوقع حصوله، شناعة وقصر نظر، لا تخفى على عاقل، وفيه دليل على أنهم مقلدون.
{كَذَلِكَ}؛ أي: مثل ذلك التكذيب من غير تدبر {كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} ما كذبوا من المعجزات، التي ظهرت على أيدي أنبيائهم، عندما جاءتهم رسلهم بحجج الله وبراهينه، فإنهم كذبوا به قبل أن يحيطوا بعلمه، وقبل أن يأتيهم تأويله من عذاب الله، الذي أوعدهم به.
{فَانْظُرْ} يا محمَّد {كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ} لأنفسهم بتكذيب رسلهم، من الأمم السالفة من سوء العاقبة، بالخسف والمسخ، ونحو ذلك من العقوبات، التي حلت بهم، لتعلم مصير من ظلموا أنفسهم من بعدهم، وهذه العاقبة هي التي بينها الله تعالى في قوله: {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٤٠)}. وقد أنذر الله سبحانه وتعالى قوم محمَّد، - صلى الله عليه وسلم -؛ بمثل ما نزل بالأمم قبلهم في الدنيا، بهذه الآية وغيرها، من هذه السورة، كما أنذرهم عذاب الآخرة؛ وكذبه المعاندون المقلدون في كل ذلك، ظنًّا منهم أنه لا يقع.
٤٠ - {وَمِنْهُمْ}؛ أي: ومن هؤلاء الذين كذبوا بالقرآن {مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ} في نفسه، ويعلم أنه صدق وحق؛ ولكنه كذب به مكابرةً وعنادًا. وقيل المراد: ومنهم من يؤمن به في المستقبل، وإن كذب به في الحال؛ أي: ومن هؤلاء المكذبين من يؤمن به حين إتيان تأويله، وظهور حقيقته، بعد أن سعوا في معارضته، ورازوا قواهم فيها، فتضاءلت دونها {وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ} ولا يصدقه في نفسه، بل كذب به جهلًا، أو ومنهم من لا يؤمن به في المستقبل، بل يبقى على جحوده وإصراره على الكفر. وقيل: الضمير في الموضعين للنبي، - صلى الله عليه وسلم -، وقد قيل: إن هذا التقسيم خاص بأهل مكة، وقيل عام في جميع الكفار {وَرَبُّكَ} يا محمَّد {أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ}؛ أي: بمن يفسدون في الأرض، بالشرك والظلم والبغي،