للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إعطائهم على جزاء أعمالهم، بل يعطون أشياء لم تخطر ببالهم. {وَاللَّهُ} سبحانه {يَرْزُقُ} ويعطي {مَنْ يَشَاءُ} إعطاءه {بِغَيْرِ حِسَابٍ}؛ أي: من غير أن يحاسبه على ما أعطاه، أو أن عطاءه لا نهاية له. والرزق: العطاء الجاري، والحساب: استعمال العدد؛ أي: يفيض ويعطي من يشاء ثوابًا لا يدخل تحت حساب الخلق. يقال: فلان ينفق بغير حساب؛ أي: يوسع كأنه لا يحسب ما ينفقه، فهو كناية عن كون الله يعطيهم ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. بغير نهاية فوق ما وعدهم به. وهذا تذييل ووعد كريم، بأنه تعالى يعطيهم فوق أجور أعمالهم من الخيرات ما لا يفي به الحساب.

قال بعض السلف (١): نزلت هذه الآية في أهل الأسواق الذين إذا سمعوا النداء بالصلاة .. تركوا كل شغل وبادروا إليها؛ أي: لا في أصحاب الصفة، وأمثالهم الذين تركوا التجارة ولزموا المسجد، فإنه تعالى قال: {وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ} وأصحاب الصفة وأمثالهم لم يكن عليهم الزكاة. اهـ.

٣٩ - ولما ضرب (٢) الله سبحانه المثل للمؤمنين بأشرف الأمثال وأعلاها .. ضرب المثل للكفار بأشر الأشياء وأخسها، فقال: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ}.

والحاصل: أن الله سبحانه ضرب للكفار مثلين: مثل لأعمالهم الحسنة بقوله: {كَسَرَاب} الخ، ومثل لأعمالهم السيئة بقوله: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ} الخ. والاسم الموصول مبتدأ أول، و {كَفَرُوا} صلته، و {أَعْمَالُهُمْ} مبتدأ ثان، {كَسَرَابٍ} خبر الثاني. والمبتدأ الثاني وخبره خبر الأول.

أي: والذين كفروا بالله ورسوله، أعمالهم التي هي من أبواب البر كصلة الأرحام وعتق الأرقاء، وعمارة البيت، وسقاية الحاج، وإغاثة الملهوفين، وقرى الأضياف، وإراقة الدماء، ونحو ذلك، مما لو قارنه الإيمان لاستتبع الثواب ولا تتوقف صحته على نية كائنة، كسراب {بِقِيعَةٍ}؛ أي: كائن في قيعة. فالباء


(١) روح البيان.
(٢) الصاوي.