أحدها: أنه لا يلزم مع الرؤية وجود الكلام حال الرؤية، فيجوز وجود الرؤية من غير كلام.
والوجه الثاني: أنه عام مخصوص بما تقدم من الأدلة.
والوجه الثالث: ما قاله بعض العلماء: أن المراد بالوحي هنا: الإلهام والرؤية في المنام، وكلاهما يسمى وحيًّا. وأما قوله تعالى:{أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} فقال الواحدي وغيره: معناه: غير مجاهر لهم بالكلام، بل يسمعون كلامه سبحانه من حيث لا يرونه. وليس المراد أن هناك حجابًا يفصل موضعًا عن موضع. ويدل على تحديد المحجوب فهو بمنزلة ما يسمع من وراء حجاب، حيث لم ير المتكلم. وقول عائشة في أوّل الحديث:"لقد قف شعري" فمعناه: قام شعري من الفزع، لكوني سمعت ما لا ينبغي أن يقال. تقول العرب عند إنكار الشيء: قف شعري، واقشعر جلدي، واشمأزت نفسي. وقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي ذرّ:"نور أنى أراه" فهو بتنوين "نور"، وبفتح الهمزة في "أنَّى"، وشديد النون المفتوحة، ومعناه: حجابه نور فكيف أراه. قال المارودي: الضمير في "أراه" عائد على الله تعالى.
والمعنى: أنّ النور يمنعني من الرؤية، كما جرت العادة بإغشاء الأنوار الأبصار، ومنعها من إدراك ما حالت بين الرائي وبينه. وفي رواية: رأيت نورًا، معناه: رأيت النور فحسب، ولم أر غيره. وفي رواية:"ذاته نور أنى أراه"، ومعناه: هو خالق النور المانع من رؤيته. فيكون من صفات الأفعال. ومن المستحيل أن تكون ذات الله نورًا، إذ النور من جملة الأجسام، والله يتعالى عن ذلك. هذا مذهب جميع أئمة المسلمين، والله أعلم. انتهى من "الخازن".
١٩ - ولما قص الله سبحانه هذه الأقاصيص، قال للمشركين موبخًا لهم ومقرعًا:{أَفَرَأَيْتُمُ} والهمزة فيه للاستفهام الإنكاري (١)، داخلة على محذوف. والفاء عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: أعقيب ما سمعتم من آثار كمال عظمته، وإحكام قدرته، ونفاذ أمره في الملأ الأعلى، وما تحت الثرى، وما بينهما أنكرتم وحدانية الله تعالى فرأيتم؛ أي: ظننتم هذه الأصنام مع غاية حقارتها وذلتها شركاء لله