للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إن سعادات الدنيا كلها مذكرة لسعادات الآخرة، فالعاقل من لا تغره الدنيا الدنية، فجنة العارف هي القلب المطهر ومعرفة الله فيه، كما قال يحيى بن معاذ الرازي - رحمه الله تعالى -: في الدنيا جنة من دخلها لم يشتق إلى الجنة، قيل: وما هي؟ قال: معرفة الله تعالى.

٢٥ - ثم ذكر سبحانه بعض حوادث يوم القيامة، فقال: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ} منصوب بـ اذكر مقدرًا، وهو معطوف على {يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ}، وكذا قوله: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ ...} إلخ؛ أي: واذكر يا محمد لهم أهوال يوم تشقق وتتقطع وتتخرق فيه السماء؛ أي: كل سماء {بِالْغَمَامِ}؛ أي: بسبب ثقل الغمام، وهو سحاب (١) أبيض مثل الضباب فوق السموات السبع، ثخنه كثخن السموات السبع، وثقله كثقل السموات السبع، فينزل على السماء السابعة، فيخرقها بثقله ويشققها، وهكذا حتى ينزل إلى الأرض وفيه الملائكة؛ أي: ملائكة كل سماء، فينزل أولًا ملائكة الدنيا، وهم أزيد من أهل الأرض من إنس وجن، ثم ملائكة السماء الثانية، وهم أزيد من ملائكة سماء الدنيا، وهكذا، ثم ينزل الكروبيون، وإذا نزل ملائكة سماء الدنيا اصطفوا حول العالم المجوع في المحشر صفًا، وإذا نزل ملائكة السماء الثانية اصطفوا خلف هذا الصف صفًا آخر، وهكذا حتى تصير الصفوف سبعة، كلهم يحرسون أهل المحشر من الفرار والهرب. قال الإِمام النسفي - رحمه الله تعالى -: الغمام فوق السموات السبع، وهو سحاب أبيض غليظ كغلظ السموات السبع، ويمسكه الله سبحانه اليوم بقدرته، وثقله أثقل من ثقل السموات، فإذا أراد الله سبحانه أن يشقق السموات ألقى ثقله عليها فانشقت، فذلك قوله تعالى: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ}؛ أي: بثقل الغمام، فيظهر الغمام، ويخرج منها، وفيه الملائكة كما قال تعالى: {وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا}؛ أي: تنزيلًا عجيبًا غير معهود.

فإن قيل (٢): قد ثبت بالنقل أن الأرض بالقياس إلى سماء الدنيا كحلقة في فلاة، وهكذا سماء الدنيا بالنسبة إلى السماء الثانية، وهكذا إلى السماء السابعة،


(١) زاده.
(٢) روح البيان بتصرف.