للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

شدة ثم نعمة، فلم يخطروا ببالهم أن ما أصابهم من الشدائد، ما أصابهم إلا لأجل عملهم الفاسد.

٤٤ - ثم ذكر ما حل بهم من الوبال والنكال بعد أن ابتلاهم بالحسنات، فقال: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ}؛ أي: فلما (١) أعرضوا عما أنذرهم به رسلهم، وتركوا الاهتداء به، وتناسوه وجعلوه وراء ظهورهم، وأصروا على كفرهم وعنادهم، وجمدوا على تقليد من قبلهم .. بلوناهم بالحسنات، و {فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ}؛ أي: بسطنا عليهم أنواع الرزق، ورخاء العيش وصحة الأجسام، والأمن على الأنفس والأرواح استدراجًا لهم، فلم تربِّهم تلك النعم، ولا شكروا الله على ما أنعم، بل أفادتهم النعمة بطرًا وكبرًا، كما أفادتهم الشدائد عتوًا وقسوة.

والمعنى (٢): فلما تركوا الاتعاظ والازدجار بما ذكروا به من البأس .. استدرجناهم بتيسير مطالبهم الدنيوية وعبر عن ذلك بقوله: {فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ}؛ إذ يقتضي شمول الخيرات وبلوغ الطلبات.

والخلاصة (٣): أنه تعالى سلط عليهم المكاره والشدائد ليعتبروا ويتعظوا، فلما لم تجد معهم شيئًا .. نقلهم إلى حال هي ضدها، ففتح عليهم أبواب الخيرات، وسهل لهم سبل الرزق والرخاء، فلم ينتفعوا أيضًا. وما مثل هذا إلا مثل الأب المشفق على ولده، يخاشنه تارة ويلاينه أخرى طلبًا لصلاحه واستقامة حاله، وإرجاعًا له عن غيه وطغيانه.

{حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا}؛ أي: حتى إذا اطمأنوا بما فتح لهم من الخيرات، وظنوا أن الذي أوتوا إنما هو باستحقاقهم، ولم يزدهم ذلك إلا بطرًا وغرورًا بأن ظنوا أن الذي نزل بهم من الشدائد ليس على سبيل الانتقام من الله {أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً}؛ أي: أنزلنا بهم عذابنا فجأة ليكون لهم أشد وقعًا وأكثر تحسرًا؛ أي: أخذناهم بعذاب الاستئصال حال كونهم مبغوتين، إذ فاجأهم على غرة من


(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٣) المراغي.