للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يكون المعنى: ذهب عنّي تسلّطي على القوى والآلات، فعجزت عن استعمالها في العبادات، وذلك لأنَّ كل أحد كان له سلطان على نفسه وماله وجوارحه، يزول في القيامة سلطانه فلا يملك لنفسه نفعًا.

٣٠ - وقوله: {خُذُوهُ} حكاية لما يقول الله سبحانه يومئذٍ لخزنة النار، وهم الزبانية الموكّلون على عذابه. والهاء راجع إلى {من} الثاني؛ أي: يقول سبحانه لخزنة جهنم: خذوا هذا العاصي الذي أعطي كتابه بشماله {فَغُلُّوهُ} بلا مهلة؛ أي: أجمعوا يديه إلى عنقه بالقيد والحديد وشدّوه بالأغلال، جمع غلّ، وهو بالضمّ: الطوق من حديد الجامع لليد إلى العنق المانع من تحرك الرأس.

٣١ - {ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (٣١) أي: أدخلوه الجحيم لا غيرها، وهي النار العظيمة. دل التقديم على التخصيص، والمعنى: لا تصلّوه؛ أي: لا تدخلوه إلا الجحيم، ولا تحرقوه إلا فيها، وهي النار العظمى، ليكون الجزاء على وفق المعصية حيث كان يتعظم على الناس. قال سعدي المفتي: فيكون مخصوصًا بالمتعظمين، وفيه بحث انتهى. وقد مر جوابه عند قولنا: بأن من أوتي كتابه بشماله لا اختصاص له بالملوك بل هو عام لجميع أهل الشقاوة.

٣٢ - {ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ} من نار، وهي حلق منتظمة كل حلقة منها في حلقة، والجار والمجرور متعلق بقوله: {فَاسْلُكُوهُ}، والفاء ليست بمانعة من التعلق. {ذَرْعُهَا}؛ أي: ذرع تلك السلسلة؛ أي: قياسها وقدر طولها. والذراع ككتاب: ما يذرع به حديدًا أو قضيبًا. وفي "المفردات": والذراع: العضو المعروف، ويعبر عن المذروع والممسوح، ويقال: ذراع من الثوب والأرض. وقوله: {ذَرْعُهَا} مبتدأ خبره قوله: {سَبْعُونَ} والجملة في محل الجر على أنها صفة لـ {سِلْسِلَةٍ}، وقوله: {ذَرْعُهَا} تمييز لاسم العدد، منصوب به. {فَاسْلُكُوهُ}؛ أي: فأدخلوه. فالسلك: هو الإدخال في الطريق والخيط والقيد وغيرها.

ومعنى {ثُمَّ} الدلالة على تفاوت ما بين العذابين الغل وتصلية الجحيم وما بينهما، وبين السلك في السلسلة في الشدّة، لا على تراخي المدة. يعني: أن {ثُمَّ} أخرج عن معنى المهلة لاقتضاء مقام التهويل ذلك؛ إذ لا يناسب التوعد بتفرق العذاب. قال ابن الشيخ (١): إن كلمتي: ثم والفاء، إن كانتا لعطف جملة {فَاسْلُكُوهُ}


(١) روح البيان.