للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وابتغاء مرضاته على كثرة فنونها من العبادات البدنية المحضة، والمالية الصرفة، والمشتملة عليها معًا، كالحج والجهاد. {أُولَئِكَ} الموصوفون بما ذكر من الأوصاف الجميلة {هُمُ الصَّادِقُونَ}؛ أي: الذين صدقوا في دعوى الإيمان لا غيرهم، فهو قصر إفراد، وتكذيب لأعراب بني أسد، حيث اعتقدوا الشركة، وزعموا أنهم صادقون أيضًا في دعوى الإيمان.

أي: أولئك الجامعون بين الأمور المذكورة هم الصادقون في الاتصاف بصفة الإيمان، والدخول في عداد أهله، لا من عداهم ممن أظهر الإِسلام بلسانه، وادّعى أنه مؤمن ولم يطمئّن بالإيمان قلبه، ولا وصل إليه معناه، ولا عمل بأعمال أهله، وهم الأعراب الذين تقدم ذكرهم، وسائر أهل النفاق.

١٦ - ثم أمر الله سبحانه أن يقول لأولئك الأعراب وأمثالهم قولًا آخر لمّا ادّعوا أنهم مؤمنون، فقال: {قُل} روي: أنه لما نزلت الآية السابقة .. جاء الأعراب، وحلفوا أنهم مؤمنون صادقون، فنزل لتكذيبهم قوله تعالى: {قُلْ} لهم يا محمد: {أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ}؛ أي: أتخبرون الله سبحانه، بدينكم الذي أنتم عليه بقولكم: آمنّا، والتعبير (١) عنه بالتعليم لغاية تشنيعهم، ودخلت الباء؛ لأنَّ هذا التعليم بمعنى الإعلام والإخبار، والاستفهام فيه للتوبيخ والإنكار؛ أي: لا تعرفوا الله بدينكم، فإنه عالم به لا يخفى عليه شيء، وفيه إشارةٌ إلى أنّ التوقيف في الأمور الدينية معتبر واجب، وحقيقتها موكولة إلى الله، فالأسامي منه تؤخذ، والكلام منه يطلب، وأمره يتبع.

أي: قل: أتخبرون (٢) الله بما في ضمائركم، وما تنطوي عليه جوانحكم من صادق الإيمان بقولكم: آمنّا حقًا. {وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} فلا يخفى عليه مثقال ذرّة فيهما، والجملة: حال من مفعول {أَتُعَلِّمُونَ}: مؤكدة لتشنيعهم. {اللَّهَ} سبحانه وتعالى {بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} لا يحتاج إلى إخباركم،


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.