ومعنى الآية: أي أقسم (١) بالقرآن ذي الشرف والرفعة إنه لمعجز، وإن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - لصادق فيما يدعيه من النبوة، وإنه مرسل من ربه إلى الأسود والأحمر، وإن كتابه لمنزل من عنده تعالى.
٢ - ولما كان الإقسام بالقرآن دالًا على صدقه، وأنه حق، وأنه ليس بمحل للريب .. قال سبحانه مبينًا للسبب الحقيقي في كفرهم:{بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا} إلخ إضراب، وانتقال من قضية إلى أخرى. بيّن به سبب قولهم بتعدد الآلهة؛ أي: ليس الحامل لهم عليه الدليل، بل مجرد الحمية، والخصام، والشقاق، اهـ شيخنا. وكأنه قال: لا ريب فيه قطعًا، ولم يكن عدم قبول المشركين له لريب فيه، بل هم {فِي عِزَّةٍ} عن قبول الحق؛ أي: في تكبر، وتجبر، وأنفة، وحمية جاهلية. وقرأ عمرو بن العاص، وأبو رزين، وابن يعمر، وعاصم الجحدري، ومحبوب عن أبي عمرو، وحماد بن الزبرقان، وسورة عن الكسائي، وميمون بن أبي جعفر {في غرة} بغين معجمة، وراء غير معجمة؛ أي: في غفلة عن قبول الحق {وَشِقاقٍ}؛ أي: مخالفة للحق، ومعاندة له، وامتناع عن قبوله، وعداوة عظيمة لرسوله - صلى الله عليه وسلم -.
والمعنى: أي إن الذين كفروا من أهل مكة، لم يكفروا بهذا القرآن، لعدم وجدانهم فيه، ما يصلح حالهم في دينهم ودنياهم، بل كذبوا به لاستكبارهم عن اتباع الحق، ومشاقتهم لرسوله - صلى الله عليه وسلم - وحرصهم على مخالفته.
٣ - ثم حذرهم، وخوّفهم ما أهلك به الأمم قبلهم حين كذبوا رسلهم، فقال:{كَمْ أَهْلَكْنا}{كَمْ} هي الخبرية الدالة على عدد كثير، وهي في محل نصب بـ {أَهْلَكْنا} على أنها مفعول به. و {مِنْ} في قوله: {مِنْ قَبْلِهِمْ} لابتداء الغاية. وقوله:{مِنْ قَرْنٍ} تمييز لكم الخبرية. والقرن: القوم المقترنون في زمن واحد.
والمعنى: أهلكنا كثيرًا من القرون الخالية، والأمم الماضية الذين كانوا