والمعنى: لينذر الله سبحانه، أو الرسول الموحى إليه الناس العذاب يوم القيامة.
١٦ - وقوله:{يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ}: بدل من {يَوْمَ التَّلَاقِ}؛ أي: لينذر الرسول الناس عذاب يوم هم خارجون من قبورهم، أو ظاهرون لا يسترهم شيء من جبل أو أكمة أو بناء؛ لكون الأرض يومئذ مستويةً، ولا عليهم ثياب، إنما هم عراة مكشوفون كما في الحديث:"يحشرون حفاةً عراةً غرلًا"؛ أي: لينذر الناس عذاب يوم يلتقي فيه العابدون والمعبودون يوم هم ظاهرون، لا يكنهم شيء ولا يسترهم شيء {لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ} سبحانه {مِنْهُمْ}؛ أي: من أعيانهم وأعمالهم الجلية والخفية السابقة واللاحقة {شَيْءٌ} ما مع كثرتهم، كما قال تعالى: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ (١٨)} وكانوا في الدنيا يتوهمون أنهم إذا استتروا بالحيطان والحجب .. فإن الله لا يراهم ويخفى عليه أعمالهم، فهم يومئذ لا يتوّهمون ذلك أصلًا، وهذه الجملة مستأنفة، مبنية لبروزهم، ويجوز أن تكون في محل نصب على الحال من ضمير {بَارِزُونَ} ويجوز أن تكون خبرًا ثانيًا للمبتدأ؛ أي: لا يخفى عليه سبحانه شيء منهم، ولا من أعمالهم التي عملوها في الدنيا، فيعلم ما فعله كل منهم، فيجازيه بحسب ما قدمت يداه، إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر.
ثم ذكر ما يقال عند بروز الخلق للحساب والجزاء فقال:{لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} يعني: يوم القيامة، جملة مستأنفة واقعة في جواب سؤال مقدر، كأنه قيل: فماذا يقال عند بروز الخلائق في ذلك اليوم؟ فقيل: يقال: لمن الملك اليوم؛ يعني يوم القيامة، فلا يجيبه أحد، فيجيب تعالى نفسه فيقول:{لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} وقيل: ينادي مناد: لمن الملك اليوم؟ فيجيب ذلك المنادي بعينه ويقول:{لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} أو يجيبه أهل المحشر مؤمنهم وكافرهم؛ لحصول العلم الضروري بالوحدانية للكافر أيضًا، لكن الكافر يقوله صغارًا وهوانًا وعلى سبيل التحسر والندامة، والمؤمن ابتهاجًا وتلذذًا.
وهذا يسمى سؤال التقرير، فإن قلت: كيف خص ذلك بيوم مخصوص، والملك لله في جميع الأيام والأوقات.
قلت: هو وإن كان لله في جميع الأيام، إلا أنه سبحانه ملك عباده في الدنيا،