ويغفر عن كل من ظلمه، ويقابله بالإحسان، ولا يذكر ما صدر منه من أنواع الجفاء والأذى، فإنه متى فعل ذلك فإن الله أكرم الأكرمين أولى أن يفعل ذلك على أن الانتصار لا يؤمن فيه تجاوز التسوية والاعتداء خصوصًا في حال الغضب والحرب والتهاب الحمية، فربما كان المنتصر من الظالمين، وهو لا يشعر، انتهى كلام "البحر".
وقال بعضهم (١): الإنسان الكامل كالبحر، فمن آذاه واغتابه، أو قصد إليه بسوء، فإنه لا يتكدر به بل يعفو عنه، ألا ترى أن البول إذا وقع في البحر، فالبحر يطهره، وكذا من أجنب، إذا دخل البحر، واغتسل، فإنه يطهر، ولا يتغير البحر لا بالبول ولا بدخول الجنب. وقال في "الخلاصة" في كتاب الحدود: رجل قال لآخر: يا خبيث هل يقول له: بل أنت، الأحسن: أن يكف عنه ولا يجيب، ولو رفع الأمر إلى القاضي ليؤدب يجوز، ومع هذا لو أجاب لا بأس به. وفي "مجمع الفتاوى" في كتاب "الجنايات" لو قال: لغيره يا خبيث فجازاه بمثله جاز؛ لأنه انتصار بعد الظلم وذلك مأذون فيه قال الله تعالى:{وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} والعفو أفضل. قال الله تعالى:{فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}. وإن كانت تلك الكلمة موجبة للحد لا ينبغي له أن يجيبه بمثلها، تحرزا على إيجاب الحد على نفسه. انتهى. كما قال في "التنوير": لو قال لآخر: يا زاني، فقال الآخر: أنت الزاني .. حد، بخلاف ما لو قال له مثلًا: يا خبيث، فقال أنت، تكافأا. وفي "التنوير" أيضًا ضرب غيره بغير حق، وضربه المضروب يعزران، ويبدؤوا في إقامة التعزير بالبادىء.
٦١ - ثم قرر نصره لعباده المؤمنين، وأكده بقوله:{ذَلِكَ} النصر الذي أنصره لمن بغي عليه، وهو مبتدأ خبره قوله:{بِأَنَّ اللَّهَ} والباء فيه سببية؛ أي: كائن بسبب أن الله سبحانه وتعالى {يُولِجُ} ويدخل {اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ}؛ أي: يدخل بعض ساعات الليل في النهار، فيزيد النهار بقدر ما نقص من الليل. {وَيُولِجُ