الموصوفون بهذه الصفات السابقة من الاتصاف بالإيمان وما بعده. {الَّذِينَ صَدَقُوا} في دعواهم الإيمان، دون الذين قالوا: آمنا بأفواههم، ولم تؤمن قلوبهم. {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} عن الكفر؛ أي: وأولئك هم الذين جعلوا بينهم وبين سخط الله وقايةً بالبعد عن المعاصي التي توجب خذلان الله في الدنيا، وعذابه في الآخرة.
وقال بعض العلماء: مَنْ عمل بهذه الآية .. فقد كل إيمانه، ونال أقصى مراتب إيقانه.
١٧٨ - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ} مناسبة (١) هذه الآية لما قبلها: أنه لما حلل ما حلل من قبل، وحرم ما حرم، ثم أتبع بذكر من أخذ مالًا من غير وجهه، وأنه ما يأكل في بطنه إلا النار، واقتضى ذلك انتظام جيع المحرمات من الأموال، ثم أعقب ذلك بذكر من اتصف بالبر، وأثنى عليهم بالصفات الحميدة التي انطووا عليها .. أخذ يذكر تحريم الدماء، ويستدعي بحفظها وصونها، فنبه بمشروعية القصاص على تحريمها، ونبه على جواز أخذ مالٍ بسببها، وأنه ليس من المال الذي يؤخذ من غير وجهه، وكان تقديم تبيين ما أحل الله وما حرم من المأكول على تبيين مشروعية القصاص؛ لعموم البلوى بالمأكول؛ لأن به قوام البنية، وحفظ صورة الإنسان، ثم ذكر حكم متلف تلك الصورة؛ لأن من كان يندر منه وقوع القتل .. فهو بالنسبة لمن اتصف بالأوصاف السابقة بعيد منه وقوع ذلك، وكان تقديم ذكر ما تعم به البلوى أهم، ونبه أيضًا على أنه وإن عرض مثل هذا الأمر الفظيع لمن اتصف بالبر، فليس ذلك مخرجًا له عن البر، ولا عن الإيمان، ولذلك ناداهم بوصف الإيمان فقال:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ}؛ أي: يا أيها الذين آمنوا، وصدقوا بما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - كتب عليكم القصاص في اللوح المحفوظ، وفرض عليكم في سابق علمي استيفاء القصاص من القاتل:{الْقَتْلَى}؛ أي: بسبب قتل، القتلى: جمع قتيل بمعنى: مقتول بغير