الأمر فهي أمارة {إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ} للهمّ الذي هممت به {رَحِيمٌ} لمن تاب إليه.
وقد قيل (١): إن هذا من قول العزيز، وهو بعيد جدًّا، ومعناه: وما أبريء نفسي من سوء الظن بيوسف، والمساعدة على حبسه بعد أن علمت ببراءته.
٥٤ - {وَقَالَ الْمَلِكُ} الريان بن الوليد بعد ما وفي ليوسف ما طلب من سؤال النسوة: {ائْتُونِي بِهِ}؛ أي: بيوسف؛ أي: أحضروه إليّ من السجن {أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي}؛ أي: أجعله خالصًا لنفسي دون غيري، وقد كان قبل ذلك خالصًا للعزيز. والاستخلاص: طلب خلوص الشيء من شوائب الشركة؛ أي: اجعله خالصًا لي وموضع ثقتي، فلا يشاركه أحد في إدارة ملكي، ولا تكون وساطة بينه وبيني، وقد جرت عادة الملوك أن يجعلوا الأشياء النفيسة خالصة لهم دون غيرهم.
فجاءه الرسول، فقال: ألق عنك ثياب السجن، والبس ثيابًا جددًا، وقم إلى الملك، فقام وودع أهل السجن، فدعا له أهل السجن، ودعا لهم، وقال في دعائه: اللهم عطف عليهم قلوب الأخيار، ولا تعم عنهم الأخبار، ثم اغتسل ولبس ثيابًا حسانًا، ولما خرج من السجن كتب على بابه: هذا بيت البلوى، وقبر الأحياء، وشماتة الأعداء، وتجربة الأصدقاء. فأتى الملك ودخل عليه فسلم عليه بالعربية، فقال له الملك: ما هذا اللسان؟ قال لسان عمي إسماعيل، ثم دعا له يوسف بالعبرانية، فقال له: وما هذا اللسان أيضًا؟ قال يوسف: هذا لسان آبائي. وكان الملك يتكلم بسبعين لسانًا، ولم يعرف هذين اللسانين، وكان كلما تكلم بلسان أجابه يوسف به، وزاد عليه بالعربية والعبرانية، فأعجب الملك أمره مع صغر سنه؛ إذ كان عمره يومئذ ثلاثين سنة. فقال: أيعلم هذا رؤياي ولم يعلمها السحرة والكهنة وأقعده قدامه، وقال: لا تخف، وألبسه طوقًا من ذهب، وثيابًا من حرير، وأعطاه دابة مسرجة مزينة كدابة الملك، وضرب الطبل بمصر أن يوسف خليفة الملك.
وقوله:{فَلَمَّا كَلَّمَهُ} مرتب على محذوف تقديره: فأتوه به، فلما كلمه؛