للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

نظير قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}، {قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى} ولم يقل: الأول، ولا الأولين.

{قُل} لهم يا محمد {لَا أَشْهَدُ} بما تشهدون به من أن مع الله آلهة أخرى، بل أجحد ذلك وأنكر {قُلْ} لهم {إِنَّمَا هُوَ}؛ أي: ما المستحق العبادة مني ومنكم إلا {إِلَهٌ وَاحِدٌ} ومعبود منفرد في ذاته وصفاته وأفعاله لا شريك له، وبذلك أشهد لا بما شهدتم، بل أتبرأ من ذلك، وكرر: {قُلْ} تأكيدًا للكلام. {وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ} به؛ أي: وأنا بريء من كل شيء تعبدونه سوى الله تعالى، وهذه الجملة كالتوكيد لما قبلها. وفي هذه (١) الآية دليل على إثبات التوحيد لله عز وجل وإبطال كل معبود سواه؛ لأن كلمة: {إِنَّمَا} تفيد الحصر، ولفظة الواحد صريح في التوحيد، ونفي الشريك، فثبت بذلك إيجاب التوحيد وسلب كل شريك، والتبرؤ من كل معبود سوى الله تعالى. قال العلماء: يستحب لكل من أسلم أن يأتي بالشهادتين، ويبرأ من كل دين خالف الإسلام؛ لقوله تعالى: {وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ}. ونص (٢) الشافعي على استحباب ضمِّ التبرؤ إلى الشهادة؛ لأن الله تعالى لما صرح بالتوحيد .. قال: {وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ}.

٢٠ - {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ}؛ أي: الذين أعطيناهم الكتب السالفة، وهم علماء اليهود والنصارى الذين كانوا في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - {يَعْرِفُونَهُ}؛ أي: يعرفون محمدًا - صلى الله عليه وسلم - من جهة الكتابين بصفته المذكورة فيهما {كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ} بصفاتهم، فإنهم كذبوا في قولهم: إنا لا نعرف محمدًا في كتابنا. وذلك أن كفار مكة لما قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إنا سألنا عنك اليهود والنصارى، فزعموا أنه ليس لك عندهم ذكر، وأنكروا معرفته .. بين الله عز وجل أن شهادته كافية على صحة نبوته، وبين في هذه الآية أنهم يعرفونه، وأنهم كذبوا في قولهم: إنهم لا يعرفونه. وروي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قدم المدينة، وأسلم عبد الله بن سلام .. قال له عمر بن الخطاب: إن الله عز وجل أنزل على نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - بمكة {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ} فكيف هذه المعرفة؟ فقال عبد الله بن سلام: يا


(١) الخازن.
(٢) المراح.