يأمركم بعبادة العجل إن كنتم مؤمنين بالتوارة كما زعمتم، والمعنى: لستم بمؤمنين؛ لأنَّ الإيمان لا يأمركم بعبادة العجل، وهذا تكذيبٌ لقولهم:{نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا} وذلك أنّ آباءهم ادَّعوا الإيمان ثُمَّ عبدوا العجل، فقيل: لهم بئس الإيمان إيمانٌ يأمر بالكفر.
والخلاصة: لو كنتم مؤمنين ما عبدتم العجل؛ يعني آباءهم، وكذلك كذبهم في قولهم:{لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا} حيث قال:
٩٤ - {قُلْ} لهم يا محمد! أيضًا: {إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ}؛ أي: نعيمها وهي الجنة مُدَّخرةً {عِنْدَ اللَّهِ} سبحانه وتعالى، ظَرْفٌ للاستقرار في الخير؛ أعني: لكم حالة كونها {خَالِصَةً}؛ أي: خاصَّةً بكم منصوبٌ على الحالية من الدار؛ أي: إن كانت لكم الدار الآخرة حالة كونها سالمةً لكم خاصَّةً بكم {مِنْ دُونِ النَّاسِ} في محل النصب بـ {خَالِصَةً}؛ أي: من دون محمد وأصحابه، فاللام في الناس للعهد، وتستعمل هذه اللفظة للاختصاص، يقال: هذا إليَّ من دون الناس؛ أي: أنا مختصُّ به؛ أي: ليس لأحد سواكم فيها حقٌّ بأن صحَّ قولكم {لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا}.
والمعنى: إن صحّ قولكم لن يدخل الجنّة إلّا من كان هودًا {فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ}؛ أي: أَحِبُّوه، واسألوه بالقلب واللسان، وقولوا: اللهم! أمتنا، فإنَّ من أيقن بدخول الجنّة اشتاق إليها، وتمنَّى سرعة الوصول إلى النعيم، والتخلُّص من دار البوار، وقرارة الأكدار، ولا سبيل إلى دخولها إلّا بعد الموت، فاستَعْجِلُوه بالتَّمنِّي {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} في قولكم: إنّ الجنة خاصَّةٌ لكم فتمنَّوه، وأصل التمنّي: تقدير شيء في النفس، وأكثر ما يستعمل فيما لا حقيقة له. قوله:{إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ} فسَّرُوا الدار الآخرة بأنّها هي موضع الإقامة بعد انقضاء الدنيا، وسميت آخرة؛ لأنّها متأخّرة عن الدنيا، أو هي آخر ما يسكن، فتشمل الجنة والنار، ولكن الكلام هنا على تقدير مضاف؛ أي: نعيم الآخرة.
وقرأ الجمهور {فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ} بضمّ الواو، وهي اللغة المشهورة في مثل: اخشوا القوم، ويجوز الكسر؛ تشبيهًا لهذه الواو بواو لو استطعنا، كما شبَّهوا واو