للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لو بواو اخشوا، فضَمُّوا، فقالوا: لو استطعنا. وقرأ ابن أبي إسحاق: {فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ} بالكسر، وحكى أبو علي الحسن بن إبراهيم بن يَزْداد، عن أبي عمرو، أنّه قرأ {فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ} بفتح الواو وحركها بالفتح؛ طلبًا للتخفيف؛ لأنَّ الضمة والكسرة في الواو يثقلان، وحكي أيضًا عن أبي عمرو اختلاس ضمّة الواو وكلها شاذة باستثناء ما عليه الجمهور وجواب الشرط في قوله: {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} محذوفٌ، تقديره: إن كنتم صادقين في دعواكم أنَّ الجنّة لكم دون غيركم، فتمنوا الموت، وعَلَّق تمنِّيهم على شرطٍ مفقودٍ وهو كونهم صادقين، وليسوا بصادقين في أنَّ الجنة خالصةٌ لهم دون الناس، فلا يقع التمنِّي، والمقصود من ذلك التحدِّي، وإظهار كذبهم، وذلك أنَّ من أيقن أنّه من أهل الجنة اختار أن ينتقل إليها، وأن يخلص من المقام في دار الأكدار، وأن يصل إلى دار القرار، كما روي عمن شهد له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجنة، كعثمان، وعلي، وعمّار، وحذيفة، أنّهم كانوا يختارون الموت، وكذلك الصحابة كانت تختار الشهادة.

وقد روي عن كثير من الصحابة - رضوان الله تعالى عليهم - تمنّي الموت عند القتال، معبِّرين بألسنتهم عمّا يجول في صدورهم من صدق الإيمان بما أعدَّ الله للمؤمنين في الدار الآخرة، فقد جاء في الأخبار: أنَّ عبد الله بن رواحة كان ينشد وهو يقاتل الروم:

يَا حَبَّذَا الجَنَّةُ واقْتِرابها

طَيِّبةٌ وَبارِدٌ شَرابُها

والرُّومُ رُوْمٌ قَدْ دَنَا عَذابُهَا

وأنَّ عمَّار بن ياسر في حرب صفين قال:

غَدًا نَلْقَى الأحِبَّهْ ... مُحمَّدًا وصَحْبَه

وروي عن حذيفة أنّه كان يتمنَّى الموت، فلما احتُضِر قال: (حبيبٌ جاء على فاقةٍ). وعن علي أنّه كان يطوف بين الصفين بغلالةٍ، فقال له ابنه الحسن: ما هذا بزيِّ المحاربين، فقال: يا بني! لا يبالي أبوك، أعلى الموت سقط أم عليه سقط الموت. وفي قصتي قتل عثمان، وسعيد بن جبير ما يدلُّ على اختيارهما