الإكسير. وقد سبق أنَّ قومَ شعيب عدوه ضعيفًا فيما بينهم، وما عرفوا أنَّ اللَّهَ القويَّ معه، فعلى الصالحين أن يَعْتَبِرُوا بأحوال الصالحين، فإنهم قد أخَذُوا الدنيا، وآثَرُوها على الآخرة ثمَّ سلبهم الله أموالَهم، وديارَهم، كأن لم ينتفعوا بشيء، ولم يقيموا في دار.
٩٦ - {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا}؛ أي: وعزتي وجلالي لقد أرسلنا {مُوسَى} بن عمرانَ حالةَ كونه متلبسًا {بِآيَاتِنَا} التسع التي هي العصا، واليد البيضاء، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، ونقص الأموال والأنفس الدالة على وحدانيتنا وقدرتنا. وقيل: المراد بالآيات التوراةُ، وبالسلطان، العصا، واليد؛ أي: ولقد أرسلنا موسى بالتوراة مع ما فيها من الأحكام، وأيدْناه بمعجزات قاهرة دالةٍ على صدق نبوته، ورسالته، وهذا القول ليس بسديد؛ لأنه قال:
٩٧ - {إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ}، والتوراة إنما نزلت بعد هلاك فرعون وملأه، ذكره أبو حيان في "البحر". {و} متلبسًا بـ {سلطان}؛ أي: برهان {مُبِينٍ}؛ أي: واضح هو نفس تلك الآيات فهو من قبيل عطف الصفة مع اتحاد الموصوف؛ أي: ولقد أرسلنا موسى بالأمر الجامع بين كونه آياتنا، وبين كونه سلطانًا له على صِدْقِ نبوته واضحًا في نفسه، أو مُوضِّحًا إياها، فإنَّ أبان جاء لازمًا ومتعديًا، كقوله تعالى:{وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ}؛ أي: التوراة الجامعةَ بين كونِهَا كِتَابًا وحجةً تفرق بين الحق والباطل، ويجوز أن يرادَ بسلطان مبين الغلبة والاستيلاء كقوله تعالى:{وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا}. قال بعض المحققين: سميت الحجة سلطانًا؛ لأنَّ صاحب الحجة يَقْهَرُ مَنْ لا حجة معه كالسلطان يَقْهر غيره، اهـ "خازن".
{إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ}؛ أي: أشراف قومه، ورؤسائهم، وتخصيص ملأه بالذكر مع عموم رسالته لقومه كافَّة لأصالتهم في الرأي، وتدابير الأمور، واتباع غيرهم لهم في الورود والصدور. {فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ} في كل ما قَرَّره من الكفر بموسى، ورَدِّ ما جاءهم به من عند الله، وتشديد الظلم على بني إسرائيل بتقتيل أبنائهم، واستحياء نسائهم إلى نحو ذلك مما جاء في السور الأخرى مفصَّلًا؛ أي: فاتبع الملأ أَمْرَ فرعونَ وأطاعوا قولَه, حين قاله لهم:{مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي}، وخالفوا أَمْر موسى بالتوحيد, وقبول الحق, وإنما لم يصرِّح بكفر