للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تعالى من حيث أن الإنسان يسلكها، ويتوصل إلى الله بها، ومعلوم أن الجهاد تقوية للدين، فكان طاعة، فلا شك أن المجاهد مقاتل في سبيل الله.

{وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ} لكلامكم في ترغيب الغير في الجهاد، وفي تنفير الغير عنه. {عَلِيمٌ} بما في صدوركم من البواعث والأغراض، وأن ذلك الجهاد لغرض الدين، أو لغرض الدنيا.

٢٤٥ - {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ} ويسلفه {قَرْضًا حَسَنًا}؛ أي: إقراضًا حسنًا طيبًا مقرونًا بالإخلاص لا لرياء وسمعة، أو مقرضًا حلالًا طيبًا {فَيُضَاعِفَهُ لَهُ}؛ أي: فيضاعف الله جزاءه وأجره له؛ أي: لذلك المنفق {أَضْعَافًا كَثِيرَةً} كثرة لا يعلم قدرها إلا الله سبحانه وتعالى. قرأ أبو عمرو ونافع وحمزة والكسائي {فيضاعفُه} بالألف والرفع، وقرأ عاصم: {فَيُضَاعِفَهُ} بالألف والنصب، وقرأ ابن كثير: {فيضعِّفُه} بالتشديد والرفع بلا ألف، وقرأ ابن عامر: {فيضعِّفَه} بالتشديد والنصب، والمعنى: من الذي يبذل ماله وينفقه في سبيل الخير ابتغاء وجه الله ولإعلاء كلمة الله في الجهاد وسائر طرق الخير، فيكون جزاؤه أن يضاعف الله تعالى له ذلك القرض أضعافًا كثيرة؛ لأنه قرض لأغنى الأغنياء رب العالمين جل جلاله، وهذا من تنزلات المولى لعباده حيث خاطبهم مخاطبة المحتاج المضطر مع أنه غني عنهم رحمة بهم على حد: {كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} وسماه هنا قرضًا، وفي آية براءة بيعًا، وفي الحقيقة لا بيع ولا قرض؛ لأن الملك كله له سبحانه، وحينئذ فليست مضاعفته على ذلك ربًا؛ لأنه لا تجري أحكام الربابين السيد وعبده الحادثين لملكه له صورة، فأولى بين السيد المالك القديم وعبده الذليل الضعيف الذي لا يملك شيئًا أصلًا، فمن إحسانه عليه خلق ونسب إليه، بل هذا (١) تأنيس وتقريب للناس بما يفهمونه، والله هو الغني الحميد، شبه عطاء المؤمن ما يرجو ثوابه في الآخرة بالقرض كما شبه إعطاء النفوس والأموال في أخذ الجنة بالبيع والشراء {وَاللَّهُ} سبحانه وتعالى {يَقْبِضُ}؛ أي: يمسك الرزق عمن يشاء، ويضيق عليه ابتلاء هل يصبر أم لا؟ {وَيَبْسُطُ} يقرأ بالسين، وهو الأصل،


(١) الشوكاني.