للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يعملونها في الدنيا كبر الوالدين، وصلة الأرحام، وإغاثة الملهوف يوفون جزاءَهم عليها بسعة الرزق، وكشف الضر جزاءً تامًّا وافيًا، ولا يجزون عليها في الآخرة، ومثل هذا الجزاء متاعٌ عاجل لا يلبث أن يزولَ. وقرأ (١) الجمهور: {لموفُّوهم} مشددًا من وفى، وقرأ ابن محيصن مخففًا من (أوفى).

١١٠ - {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ}؛ أي: وعزتي وجلالي، لقد آتينا وأعطينا موسى بن عمرانَ التوراة، وهو أول كتاب اشتمل على الأحكام والشرائع، وأما ما قبله من الكتب، فإنما كانت مشتملةً على الإيمان باللهِ وتوحيده، ومن ثم قيل لها: صحف، وإطلاق الكتاب عليها مجاز. {فَاخْتُلِفَ فِيهِ}؛ أي: في شأن ذلك الكتاب، وكونه من عند الله، فآمن به قوم من بني إسرائيل، وكفَرَ آخرون، كما اختلف قومكَ في القرآن، فلا تبال يا محمَّد باختلافهم فيما آتيناك من القرآن، ولا تحزَنَ عليه، واصبر على تكذيبهم كما صَبَر موسى على تكذيب قومه، فإنَّ ما وقع لك فقد وقع لمن قبلك، ففيه تسلية له - صلى الله عليه وسلم -. ولمَّا قَسَم النبي - صلى الله عليه وسلم - غَنَائم حنين، وأطال بعض المنافقين الكلامَ في أنه لم يعدل في القسمة، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من يَعْدِل إذَا لم يَعْدِل الله ورسولُه، رحمة الله على أخي موسى، لقد أُوذي بأكثر من هذا فصبر"، يعني أنَّ موسَى أصابه الأذى الكثير من جهة قومه، فصَبَر على أذاهم، فلم يجزَع فأنا أحق بالصبر منه؛ لأنَّ الجمعية الكمالية في ذاته - صلى الله عليه وسلم - أتم فحَظُّه من النفحات الإلهية والأخلاق الحميدة الربانية أكثرُ وأوفرُ.

{وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ}؛ أي: ولولا الحكم الأزليُّ بتأخير العذاب عن أمتك، أو عن قوم موسى إلى يوم القيامَةِ. قال بعضهم: الأظهر أن لا (٢) تقيد بيوم القيامة، فإن أكْثَرَ طغاتهم نَزَلَ بهم العذاب يوم بدر، وفي غيره. {لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ}؛ أي: لأوقع القضاء بين المختلفين من قومك بإنزال العذابِ الذي يستحقه المبطلونَ ليتميزوا به عن المحقينَ.

والكلمة هي كلمة القضاءِ بتأخير العذاب إلى الأجل المسمى، بحسب


(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.