للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لقدرته على إحيائها، قادر على إعادته بعد موته وحسابه وجزائه على أعماله.

والخلاصة: أنه تعالى خلق للإنسان ما خلق من النعم ليشكر، فكفر وجحد المنعم والنعم. وخلقه من نطفة قذرة، ليكون متذللا فطغى وبغى وتجبر وخاصم ربه، واستبعد البعث والإعادة.

٧٨ - وقوله: {وَضَرَبَ لَنا مَثَلًا} معطوف (١) على الجملة الفجائية؛ أي: ففاجأ خصومتنا وضرب لنا مثلًا؛ أي: أورد في شأننا قصة عجيبة في نفس الأمر. وهي في الغرابة والبعد عن العقول كالمثل، وهي إنكار إحيائنا العظام ونفي قدرتنا عليه. قال ابن الشيخ: المثل يستعار للأمر العجيب تشبيهًا له في الغرابة بالمثل العرفي، الذي هو القول السائر، ولا شك أن نفي قدرة الله سبحانه على البعث، مع أنه من جملة الممكنات، وأنه تعالى على كل شيء قدير، من أعجب العجائب. {وَنَسِيَ خَلْقَهُ} عطف على {ضَرَبَ}، داخل في حيز الاستفهام والتعجيب أو حال بتقدير {قد}. وهو مضاف إلى المفعول؛ أي: نسي خلقنا إياه من النطفة القذرة؛ أي: ترك التفكر في بدء خلقه ليدله ذلك على قدرته على البعث. فإنه لا فرق بينهما من حيث إن كلًا منهما إحياء مواتٍ وجماد. وقرأ زيد بن علي {ونسي خالقه} اسم فاعل، والجمهور {خَلْقَهُ}؛ أي: نشأته، مصدرًا.

وقوله: {قالَ}؛ أي: الإنسان، كلام مستأنف، واقع في جواب سؤال مقدر، نشأ عن حكاية ضرب المثل، كأنه قيل: أي مثل ضرب أو ماذا قال؟ فقيل: {قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ} منكرًا له أشد النكير، مؤكدًا له بقوله: {وَهِيَ رَمِيمٌ}؛ أي: بالية أشد البلى بعيدة من الحياة غاية البعد حيث لا جلد عليها، ولا لحم، ولا عروق، ولا أعصاب.

وهذا (٢) الاستفهام للإنكار؛ لأنه قاس قدرة الله سبحانه على قدرة العبد فأنكر أن الله تعالى، يحيي العظام البالية، حيث لم يكن ذلك في مقدور البشر،


(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.