للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الله عليه بقوله: {وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ}؛ أي: ولا كان لكم أن تتزوجوا أزواجه - صلى الله عليه وسلم - {مِنْ بَعْدِهِ}؛ أي: من بعد مفارقته إياهن بموت أو طلاق {أَبَدًا}؛ أي: مدة حياتها زيادة في شرفه، وإظهارًا لعظمته وجلاله، ولأنهن أمهات المؤمنين، ولا يحل للأولاد نكاح الأمهات، ولأن في تزوجهن تركًا لمراعاة حرمته - صلى الله عليه وسلم -، ويقال (١): لأنهن أزواجه في الدنيا والآخرة، كما قال: "شارطت ربي أن لا أتزوج إلا من يكون معي في الجنة"، ولو تزوجن .. لم يكنَّ معه في الجنة؛ لأن المرأة لآخر أزواجها.

والحاصل: أنه يجب على الأمَّة أن يعظِّموه - صلى الله عليه وسلم -، ويوقروه في جميع الأحوال في حال حياته، وبعد وفاته، فإنه بقدر ازدياد تعظيمه وتوقيره في القلوب، يزداد نور الإيمان فيها.

ثم بين السبب فيما تقدم بقوله: {إِنَّ ذَلِكُمْ} الذكور من إيذائه - صلى الله عليه وسلم -، ونكاح أزواجه من بعده {كَانَ عِنْدَ اللَّهِ} - سبحانه وتعالى - ذنبًا {عَظِيمًا}، وخطبًا جليلًا، وأمرًا خطيرًا، لا يقادر قدره إلا الله تعالى.

٥٤ - ثم بالغ في الوعيد، فقال: {إِنْ تُبْدُوا} أيها المؤمنون وتظهروا على ألسنتكم {شَيْئًا} مما لا خير فيه كنكاحهن {أَوْ تُخْفُوه}؛ أي: تخفوا ذلك الشيء، وتكتموه في صدوركم {فَإِنَّ اللَّهَ} - سبحانه وتعالى - {كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا}؛ أي: بليغ العلم بظاهر كل شيء وباطنه، فيجازيكم بما صدر منكم من المعاصي البادية والخافية لا محالة، وعمم (٢) ذلك ليدخل فيه نكاحهن وغيره؛ أي: يعلم كل شيء من الأشياء، ومن جملة ذلك ما تظهرونه في شأن أزواج رسوله، وما تكتمونه في صدوركم، وفي هذا وعيد شديد؛ لأن إحاطته بالمعلومات تستلزم المجازاة على خيرها وشرها.

أي: إن ما تكنه ضمائركم، وتنطوي عليه سرائركم، فالله يعلمه؛ إذ لا تخفى عليه خافية {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (١٩)}، ثم يجازيكم بما صدر منكم من المعاصي الظاهرة والباطنة، والكلام، وإن كان عامًا بظاهره، فالمقصود ما


(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.