للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الناس من يكشف الله غطاءه عن بصر بصيرته، فيجعل بصره حديدًا يبصر رشده، ويحذر شرّه، وهم المؤمنون من أهل السعادة، ومنهم من يكشف الله عن بصر بصيرته يوم القيامة يوم لا ينفع نفسًا إيمانها، وهم الكفار من أهل الشقاوة، ومن كلمات أمير المؤمنين عليّ ابن أبي طالب رضي الله عنه: لو كشف الغطاء .. ما ازددت يقينًا.

وقرأ الجمهور (١): بفتح التاء من {كُنْتَ} وفتح الكاف في {عَنْكَ} {غِطَاءَكَ}، {فَبَصَرُكَ} حملًا على ما في لفظ كل من التذكير، وقرأ الجحدري وطلحة بن مصرّف: بالكسر في الجميع على أنّ المراد: النفس، ولاكتساب كل التأنيث من المضاف إليه.

والمعنى: أي والله لقد كنت أيها الإنسان في غفلة عن هذا الذي عاينت اليوم من الأهوال والشدائد، فجلَّينا ذلك لك، وأظهرناه لعينيك، حتى رأيته وعاينته، فزالت عنك هذه الغفلة، وقد جعل سبحانه الغفلة غطاء غطي به الجسد كلّه، أو غشاوة غشي بها عيينه، فلا يبصر شيئًا، فإذا كان يوم القيامة .. تيقظ وزالت عنه الغفلة وغطاؤها، فأبصر ما لم يكن يبصره من الحق.

٢٣ - {وَقَالَ قَرِينُهُ}؛ أي: قال الملك الموكل به في الدنيا، الكاتب لعمله، الشهيد عليه للربّ سبحانه {هَذَا} المكتوب من عمله، مبتدأ خبره: {مَا} وهي نكرة موصوفة (٢). و {لَدَيَّ} ظرف صفة أولى لما {عَتِيدٌ} صفة ثانية لها، والتقدير: هذا شيء ثابت لديّ عتيد حاضر قد هيأته، ويجوز أن يكون {عَتِيدٌ} صفة لـ {مَا} و {لَدَيَّ} متعلقًا بـ {عَتِيدٌ}؛ أي: هذا المتكوب شيء عيتد لديّ؛ أي: حاضر، ويجوز أن تكونا {مَا} موصولة بمعنى الذي، و {لَدَيَّ} صلتها و {عَتِيدٌ}: خبر الموصول، والموصول وصلته: خبر اسم الإشارة.

والمعنى: أي وقال الملك الموكل به في الدنيا: هذا الذي وكّلتني به من بني آدم، قد أحضرته، وأحضرت ديوان أعماله، قاله مجاهد. أو قال شيطانه


(١) الشوكاني.
(٢) النسفي.