وقال أصحاب الشافعي: أقل الجزية دينار، لا يزاد على الدينار إلا بالتراضي، فإذا رضي أهل الذمة بالزيادة .. ضربنا على المتوسط دينارين وعلى الغني أربعة دنانير.
وقال العلماء: إنما أقر أهل الكتاب على دينهم الباطل، بخلاف أهل الشرك، حرمة لآبائهم الذين انقرضوا على الدين من شريعة التوارة والإنجيل، قبل النسخ والتبديل، وأيضًا فإن بأيديهم كتبًا قديمة، فربما تفكروا فيها فيعرفون صدق محمد - صلى الله عليه وسلم - وصحة نبوته، فأمهلوا لهذا المعنى، وليس المقصود من أخذ الجزية من أهل الكتاب، إقرارهم على كفرهم، بل المقصود من ذلك حقن دمائهم وإمهالهم، رجاء أن يعرفوا الحق، فيرجعوا إليه، بأن يؤمنوا ويصدقوا إذا رأوا محاسن الإسلام وقوة دلائله وكثرة الداخلين فيه.
٣٠ - ولما ذكر الله سبحانه وتعالى في الآية السابقة أن اليهود والنصارى لا يؤمنون بالله، ولا يدينون دين الحق .. بيَّن في هذه الآية الآتية ما أجمله في تلك فأخبر عنهم أنهم أثبتوا لله ولدًا، ومن جوز ذلك على الله .. فقد أشرك به؛ لأنه لا فرق بين من يعبد صنمًا وبين من يعبد المسيح، فقد بان بهذا أنهم لا يؤمنون بالله ولا يدينون دين الحق، فقال:{وَقَالَتِ الْيَهُودُ} لعائن الله تعالى عليهم؛ أي: قال بعضهم وهم يهود المدينة؛ لأن قول بعضهم لازم لجميعهم وهم سلام ابن مشكم ونعمان بن أوفى وشاس بن قيس ومالك بن الصيف، أو فنحاص بن عازوراء {عُزَيْرٌ} بن شرخيا {ابْنُ اللَّهِ} تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا.
روى (١) ابن إسحاق وابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سلام بن مشكم ونعمان بن أوفى وأبو أنس وشاس بن قيس ومالك بن الصيف، فقالوا: كيف نتبعك، وقد تركت قبلتنا وأنت لا تزعم أن عزيرًا ابن الله؟ كما مر بيان ذلك في الأسباب، وإسناد هذا القول إليهم جملة، وإن كان قد صدر من بعضهم مَبنيٌّ على أن الأمة تعد متكافلة في شؤونها