وقال أبو بكر الوراق: ومن يؤمن بالله عند الشدة والبلاء فيعلم أنها من عدل الله .. يهد قلبه إلى حقائق الرضى وزوائد اليقين. وقال أبو عثمان: ومن صحح إيمانه بالله .. يهد قلبه لاتباع سنن نبيه - صلى الله عليه وسلم -. وعلامة صحة الإيمان: المداومة على السنن وملازمة الاتباع وترك الأهواء والآراء المضلة.
{وَاللَّهُ} سبحانه {بِكُلِّ شَيْءٍ} من الأشياء التي من جملتها: القلوب وأحوالها، كتسليم من انْقاد لأمره وكراهة من كرهه، وكآفاتها من العجب والريا مثلًا وخلوصها. {عَلِيمٌ} لا تخفى عليه خافية من ذلك، فيعلم إيمان المؤمن وخلوصه ويهد قلبه إلى ما ذُكر.
والمعنى: والله عليم بالأشياء كلها، فهو عليم بالقلوب وأحوالها ومطلع على سرها ونجواها، فاحذروه وراقبوه في السرّ والعلن، كما جاء في الأثر:"اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك".
١٢ - {وَأَطِيعُوا اللَّهَ} سبحانه وتعالى إطاعة العبد لمولاه فيما يأمره وينهاه. {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} محمدًا - صلى الله عليه وسلم - إطاعة الأمة لنبيها فيما يؤديه عن الله؛ أي: هونوا المصائب على أنفسكم ولا تشغلنكم عن الاشتغال بطاعته والعمل بكتابه، وعن الاشتغال بطاعة الرسول واتباع سننه، وليكن جل همتكم في السراء والضراء العمل بما شرع لكم.
وكرر (١) الأمر بالإطاعة للتأكيد والإيذان بالفرق بين الطاعتين في الكيفية وتوضيح مورد التولي في قوله: {فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ}؛ أي: أعرضتم عن إطاعة الرسول {فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا} محمد - صلى الله عليه وسلم - {الْبَلَاغُ الْمُبِينُ}؛ أي: التبليغ البيّن. والجملة الاسمية تعليل للجواب المحذوف؛ أي: فإن توليتم .. فلا بأس ولا مؤاخذة عليه بإعراضكم إذ ما عليه إلا التبليغ المبين، وقد فعل ذلك بما لا مزيد عليه، وإظهار الرسول مضافًا إلى نون العظمة في مقام إضماره لتشريفه - صلى الله عليه وسلم - والإشعار بمدار الحلم الذي هو كون وظيفته - صلى الله عليه وسلم - محض البلاغ لا الإجبار على الإيمان، ولزيادة تشنيع التولي عنه.