للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كما قال: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ}.

{وَاجْنُبْنِي} يا رب؛ أي: باعدني {و} باعد {بَنِيَّ} وذريتي عن {أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} والأوثان؛ أي: ثبتنا على ما نحن عليه من التوحيد وملة الإِسلام، والبعد عن الأصنام، وقد استجيب دعاؤه في بعض بنيه دون بعض ولا ضير في ذلك.

قيل: أراد (١) بنيه من صلبه، وكانوا ثمانية، وقيل: أراد من كان موجودًا حال دعوته من بنيه وبني بنيه، وقيل: أراد جميع ذريته ما تناسلوا، ويؤيد القول الأول ما قيل من أنه لم يعبد أحد من أولاد إبراهيم صنمًا، والصنم: هو التمثال الذي كانت تصنعه أهل الجاهلية من الأحجار ونحوها فيعبدونه؛ أي: واجعلنا في جانب بعيد من عبادتها؛ أي: ثبتنا على ما كنا عليه من التوحيد وملة الإِسلام، والبعد عن عبادة الأصنام، وإلا فهو معصوم عن عبادتها، وكذا بعض بنيه معصومون كإسماعيل وإسحاق.

قال بعضهم (٢): رأى إبراهيم قومًا يعبدون الأصنام، فخاف على بنيه فدعا. والجمهور على أن العرب من عهد إبراهيم استمرت على دينه من رفض عبادة الأصنام إلى زمن عمرو بن لحي كبير خزاعة، فهو أول من غير دين إبراهيم، وشرع للعرب الضلالات، وهو أول من نصب الأوثان في الكعبة وعبدها، وأمر الناس بعبادتها، وقد كان أكثر الناس في الأرض المقدسة عبدة الأوثان، وكان إبراهيم يعرفه، فخاف سرايته إلى كل بلد فيه واحد من أولاده، فعصم أولاده الصلبية من ذلك، وهي المرادة من قوله: {وَبَنِيَّ} فإنه لم يعبد أحد منهم الصنم لا هو ولا أحفاده. وقرأ الجحدري وعيسى بن عمر الثقفي شذوذًا (٣): {وأجنبني} بقطع الهمزة على أنه من أجنب الرباعي.

٣٦ - وقوله: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ} تعليل لقوله: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ}


(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.
(٣) البحر المحيط.