وبعد أن رد الله على ما طعن به المنافقون في نبوة محمَّد - صلى الله عليه وسلم - من وقوع الحوادث التي حصلت في أحد، وبين أن فيه كثيرًا من الفوائد كتمييز الخبيث من الطيب، أمرهم بالإيمان به وبرسله فقال:{فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ}؛ أي: إذا ثبت أنه تعالى يختار من رسله من يشاء، فيطلعه على بعض المغيبات، ومنهم محمَّد - صلى الله عليه وسلم - إذ ثبتت نبوته بإطلاع الله تعالى له على بعض المغيبات، وإخباره لكم بها في غير ما موطنٍ، فآمنوا بالله ورسله الذين ذكرهم الله في كتابه، وقص علينا قصصهم؛ لأنه هو المطلوب منكم، ودعوا الاشتغال بما ليس من شأنكم من التطلع لعلم الله سبحانه وتعالى، ومعنى الإيمان باللهِ: بأن تقدروه حق قدره، وتعلموا أنه وحده هو العالم بالغيوب، ومعنى الإيمان بالرسل: أن تنزلوهم منازلهم، بأن تعلموا أنهم عبادٌ مجتبون، لا يعلمون إلا ما علمهم الله تعالى، ولا يخبرون إلا بما أخبر الله به من الغيوب، وليسوا من علم الغيب في شيء. قاله الزمخشري. وعمم الأمر بالإيمان بالرسل جميعًا، مع أن سوق الكلام في الإيمان بالنبي - صلى الله عليه وسلم - للإيماء إلى أن الإيمان به يقتضي الإيمان بهم؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - مصدق لما بين يديه من الرسل، وهم شهداء على صحة نبوته.
{وَإِنْ تُؤْمِنُوا} بما جاؤوا به من أخبار الغيب {وَتَتَّقُوا} الله بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه {فَلَكُمْ} أيها المؤمنون بما ذكر {أَجْرٌ عَظِيمٌ} وثواب جسيم، لا يستطاع الوصول إلى معرفة قدره.
وقيل أن ذكر القرآن الإيمان، إلا قرن به التقوى؛ كما قل أن ذكر الصلاة إلا قرن بها الزكاة حثًّا على عمل البرّ، والرأفة بالفقراء والبائسين، وإشارة إلى أن الإيمان لا يكمل إلا بهما.
١٨٠ - وقوله:{وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ} الموصول فيه فاعل على قراءة الياء التحتانية والمفعول الأول محذوف لدلالة يبخلون عليه، والمعنى: ولا يظنن الذين يبخلون بما أعطاهم الله من فضله، وعطائه، بخلهم إياه هو خيرًا لهم {بَلْ هُوَ}؛ أي: بخلهم إياه {شَرٌّ لَهُمْ} وضررٌ عليهم؛ لأن أموالهم ستزول عنهم، ويبقى عليهم، وبال البخل، والمعنى: لا