للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقرأ ابن كثير (١)، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم، وابن عامر {تَطَوَّعَ} فعلًا ماضيًا هنا، وفي قوله: {فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ}. وقرأ حمزة والكسائي في المتواتر: {يطَّوَّع} مضارعًا مجزومًا بـ {من} الشرطية، وقرأ ابن مسعود: (يتطوع بخير) ويطوع أصله: يتطوع كقراءه عبد الله، وهذه قراءة شاذة.

١٥٩ - ونزل في أحبار اليهود قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ}؛ أي: يخفون الناس {مَا أَنْزَلْنَا} في التوراة، وهم علماء اليهود. {مِنَ الْبَيِّنَاتِ}؛ أي: من العلامات الواضحة الدالة على صدق محمَّد - صلى الله عليه وسلم - ونبوته، من نعوته وأخلاقه وأفعاله. {وَالْهُدَى}؛ أي: ومن الأحكام التي هدى الله الخلق إليها، ودعاهم لها، وشرعها لهم من الأوامر والنواهي كآية الرجم. {مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ} وأوضحناه. {لِلنَّاسِ}؛ أي: لبني إسرائيل {في الْكِتَابِ}؛ أي: في التوراة، والمراد بالكتم هنا: إزالة ما أنزل الله، ووضع غيره في موضعه؛ فإنهم محوا آية الرجم، ونعته - صلى الله عليه وسلم -، وكتبوا مكان ذلك ما يخالفه. ومعلوم أن الكتم والكتمان: ترك إظهار الشيء قصدًا مع مسيس الحاجة إليه، وتحقق الداعي إلى إظهاره؛ لأنه متى لم يكن كذلك لا يعد من الكتمان، وذلك قد يكون بمجرد ستره وإخفائه، ويكون بإزالته ووضع شيء آخر مكانه.

وقرأ الجمهور: {بَيَّنَّاهُ} مطابقة لقوله: {أنزلنا}، وقرأ طلحة بن مصرف شذوذًا: {بينة} بضمير مفرد غائب، ففيه حينئذٍ التفات من التكلم إلى الغيبة. {أُولَئِكَ} الكاتمون لما أنزلنا. {يَلْعَنُهُمُ اللهُ}؛ أي: يبعدهم الله من رحمته {وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} من الملائكة والمؤمنين، أو جميع الخلائق؛ أي: يسألون الله أن يلعنهم ويطردهم من رحمتهم، ويقولون: اللهم العنهم.

١٦٠ - {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا}؛ أي: ندموا على ما فعلوا، فرجعوا عن الكفر إلى الإِسلام {وَأَصْلَحُوا} ما بينهم وبين الله تعالى بالتوحيد والطاعات {وَبَيَّنُوا}؛ أي: أوضحوا للناس ما كتموا من العلم {فَأُولَئِكَ} التائبون المصلحون البيِّنون {أَتُوبُ عَلَيْهِمْ}؛ أي: أقبل منهم


(١) البحر المحيط.