للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

هيئة الجبابرة، أو يكونوا محفوفين بالملائكة.

٥٤ - ثم ذكر أن هذه الخدع قد غلبت عليهم، وسحرت ألبابهم لغفلتهم، وضعف عقولهم، فاعترفوا بربوبيته، وكذبوا بنبوة موسى، فقال: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ}؛ أي: فاستجهل قومه، واستحمق عقولهم بقوله وكيده، وبما أبداه لهم من عظمة الملك والرياسة، وجعلها مناطًا للعلم والنبوة، وأنه لو كانت هناك نبوة، لكان هو أولى بها {فَأَطَاعُوهُ} أي: فامتثلوه فيما أمرهم به من تكذيب موسى وإقرار ربوبيته، وجملة قوله: {إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ}؛ أي: خارجين عن طاعة الله تعالى، تعليل لطاعتهم له؛ أي: أطاعوه فيما أمرهم به؛ لأنهم كانوا قومًا ذوي فسق وضلال وغي، ومن ثم أسرعوا إلى تلبية دعوة ذلك الفاسق، الغوي، اللعين.

٥٥ - ذم ذكر جزاءهم على ما اجترحوا من تكذيب رسوله، على وضوح الدليل، وظهور الحق، فقال: {فَلَمَّا آسَفُونَا}؛ أي: أغضبونا بعنادهم وعظيم استكبارهم، وبغيهم في الأرض، والأسف محركًا: الغضب، وقيل: مسند الغضب، وقيل: السخط (١)، وحقيقته ثوران دم القلب إرادة الانتقام، فمتى كان ذلك على من دونه، انتشر فصار غضبًا، ومتى كان على من فوقه انقبض فصار حزنًا.

والمعنى: فلما أغضبنا فرعون وقومه مسند الغضب، بالإفراط في العناد والعصيان، وغضب الله نقيض الرضى، أو إرادة الانتقام، أو تحقيق الوعيد، أو الأخذ الأليم، أو البطش الشديد، أو هتك الأستار والتعذيب بالنار، أو تغيير النعمة، وقيل: المعنى: أغضبوا رسولنا موسى عليه السلام. بتكذيبه وعدم طاعته {انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ} أي: أردنا أن نعجل لهم انتقامنا وعذابنا، وأن لا نحلم عنهم، وفي "كشف الأسرار": أحللنا بهم النقمة والعذاب {فَأَغْرَقْنَاهُمْ} في "البحر"، تفسير للانتقام؛ أي: فأهلكناهم المطاع والمطيعين له {أَجْمَعِينَ} بالإغراق في


(١) روح البيان.