للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

القراءة، ولا يجهر بالقراءة خلفه، ويدل عليه ما روي عن عبادة بن الصامت: قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم الصبح فثقلت عليه القراءة، فلما انصرف قال: أراكم تقرؤون وراء إمامكم؟! قال: قلنا: يا رسول الله إي والله، قال: لا تفعلوا إلا بأم القرآن؛ فإنّه لا صلاة لمن لم يقرأ بها» أخرجه الترمذي بطوله، وأخرجاه في الصحيحين أقصر منه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب». وأخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «من صلى صلاة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج» يقولها ثلاثا غير تمام، فقيل لأبي هريرة: إنا نكون وراء الإمام؟ قال: اقرأ بها في نفسك، وذكر الحديث.

٢٠٥ - والخطاب في قوله: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ} للنبي صلى الله عليه وسلّم، ويدخل فيه غيره من أمته؛ لأنّه عام لسائر المكلفين؛ أي: واذكر أيها المكلف ربك الذي خلقك ورباك بنعمه، عارفا بمعاني الأذكار التي تقولها بلسانك، مستحضرا لصفات الكمال والجلال، والعز والعلو والعظمة {فِي نَفْسِكَ} وقلبك؛ أي: أسمع نفسك سرا، وذلك لأن الذكر باللسان إذا كان عاريا عن الذكر بالقلب .. كان عديم الفائدة؛ لأن فائدة الذكر حضور القلب واستشعاره عظمة المذكور عز وجل، وقيل: المعنى: أذكر ربك سرا في نفسك؛ لأن ذكر النفس أقرب إلى الإخلاص، وأبعد عن الرياء والسمعة.

وقوله: {تَضَرُّعًا وَخِيفَةً} منصوبان على الحال، ولكن بعد تأويله بالمشتق؛ أي: واذكر - أيها المكلّف - ربك في نفسك حالة كونك متضرعا ومتذللا وخاضعا له، وخائفا منه، راجيا نعمه، وقرىء {وخفية} بضم الخاء {وَ} اذكره بلسانك مع ذكره في نفسك ذكرا {دُونَ الْجَهْرِ} برفع الصوت {مِنَ الْقَوْلِ} وفوق التخافت والسر، بل ذكرا قصدا وسطا بين الجهر والمخافتة، بأن يذكر الشخص ربه بحيث يسمع نفسه، كما قال تعالى: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا}.

وذكر اللسان وحده دون ذكر القلب، وملاحظة معاني الذّكر لا يجدي نفعا، فكم رأينا من ذوي الأوراد والأدعية، الذين يذكرون الله كثيرا بالمئين والألوف،