رسول الله، ما ينبغي أن نفارقك فإنك لو قدْ مِتَّ لرفعت فوقنا، ولم نرك، فأنزل الله:{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ ...} الآية.
وأخرج عن عكرمة قال: أتى فتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا نبي الله، إن لنا منك نظرة في الدنيا، ويوم القيامة لا نراك فإنك في الجنة في الدرجات العلى، فأنزل الله هذه الآية، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أنت معي في الجنة إن شاء الله" وأخرج ابن جرير نحوه من مرسل سعيد بن جبير ومسروق والربيع وقتادة والسدي.
التفسير وأوجه القراءة
٥٨ - {إِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى، {يَأمُرُكُمْ} أيها المكلفون، {أَنْ تُؤَدُّوا} وتسلموا {الْأَمَانَاتِ} التي إئتمنتم عليها {إِلَى أَهْلِهَا} ومستحقيها، وتردوها إليهم فورًا، لما حكى الله سبحانه وتعالى عن أهل الكتاب أنهم كتموا الحق حيث قالوا للذين كفروا: هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلًا .. أمر المؤمنين في هذه الآية بأداء الأمانات في جميع الأمور، سواء كانت تلك الأمور من باب المذاهب والديانات، أو من باب الدنيا والمعاملات؛ لأن الآية وإن نزلت في عثمان بن طلحة بن عبد الدار سادن الكعبة كما مر، فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وقرىء:{أن تؤدوا الأمانة} بالإفراد، كما ذكره أبو حيان.
والأمانة على ثلاثة أنواع (١):
الأول: أمانة العبد مع ربه، وهي ما عهد إليه حفظه من الائتمار بما أمره به، والانتهاء عما نهاه عنه، واستعمال مشاعره وجوارحه فيما ينفعه ويقربه من ربه، وقد ورد في الأثر:"إن المعاصي كلها خيانة لله عز وجل".
والثاني: أمانة العبد مع الناس، ومن ذلك رد الودائع إلى أربابها، وعدم الغش وحفظ السر ونحو ذلك، مما يجب للأهل والأقربين وعامة الناس والحكام. ويدخل في ذلك عدل الأمراء مع الرعية، وعدل العلماء مع العوام،