السابقة عليه، كالتوراة والإنجيل والزبور {وَلَا} وَلَا يأتي {مِنْ خَلْفِهِ}؛ أي: من بعده كتاب يكذّبه وينسخه. قاله سعيد بن جبير والكلبي، صفة أخرى لـ {كِتَابٌ} أو المعنى: لا يتطرّق إليه الباطل، ولا يجد إليه سبيلًا من جة من الجهات الست، حتى يصل إليه ويتعلق به؛ أي: متى راموا إبطالًا له لم يصلوا إليه، ذكر أظهر الجهات وأكثرها في الاعتبار وهو جهة القدّام والخاف، وأريد الجهات بأسرها، فيكون قوله:{لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ ...} إلخ، استعارةً تمثلية، شُبّه الكتاب في عدم تطرّق الباطل إليه بوجه من الوجوه، بمن هو محمي بحماية غالب قاهر يمنع جاره من أن يتعرض له العدو من جهة من جهاته، ثم أخرجه مخرج الاستعارة، بأن عبّر عن المشبّه بما عبّر به عن المشبّه به، فقال:{لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ ...} إلخ. أو المعنى: لا يأتيه الباطلُ فيما أخبر عما مضي، ولا فيما أخبر عن الأمور الآتية، أو الباطل هو الشيطان؛ أي: لا يستطيع أن يزيد فيه ولا ينقص منه. وقال الزجاج: معناه: إنه محفوظ من أن ينقص منه، فيأتيه الباطل من بين يديه، أو يزاد فيه، فيأتيه الباطل من خلفه. وبه قال قتادة والسدّي.
قصارى ذلك: أَنَّ الباطل لا يتطرّق إليه، ولا يجد إليه سبيلًا من جهة من الجهات حتى يصل إليه، فكل ما فيه حق وصدق، وليس فيه ما لا يطابق الواقع، {تَنْزِيلٌ}؛ أي: هو تنزيل، أو (١) صفة أخرى لـ {كِتَابٌ} مفيدة لفخامته الإضافية بعد إفادة فخامته الذاتيه، وكل ذلك لتأكيد بطلان الكفر بالقرآن {مِنْ حَكِيمٍ}؛ أي: حكيم مانع عن تبديل معانيه بإحكام مبانيه {حَمِيدٍ}؛ أي: حميد مستحق للتحميد بإلهام معانيه، أو يحمده كل خلق في كل مكان بلسان الحال والمقال بما وصل إليه من نعمه، أو المعنى: هو تنزيل من عند ذي الحكمة بتدبير شؤون عباده، المحمود على ما أسدى إليهم من النعم التي منها تنزيل هذا الكاتب، بل هو أجلّها.
٤٣ - ثم سلّى سبحانه رسوله - صلى الله عليه وسلم - عن ما كان يتأثر له، من أذيّة الكفار، فقال:{مَا يُقَالُ لَكَ}؛ أي: ما يقال في شأنك وفي شأن ما أنزل إليك من القرآن من جهة كفّار قومك {إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ} من جهة قومهم؛ أي: إلا مثل ما قد قيل في حقهم وفي حق الكتاب السماوية المنزّلة عليهم، مما لا خير فيه، من الساحر