للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والكاهن والمجنون والأساطين ونحوها؛ أي (١): ما يقول لك هؤلاء المشركون المكذبون ما جئتهم به من عند ربّك، إلا مثل ما قالته الأمم التي كذبت رسلها من قبلهم، فاصبر على ما نالك منهم من أذًى كما صبر أولو العزم من الرسل. وقد يكون المعنى: ما يقال لك من التوحيد، وإخلاص العبادة له إلا ما قد قيل للرسل من قبلك، فإن الشرائع كلها متفقة على ذلك التوحيد، وإن اختلفت في غيره تبعًا للزمان والمكان. وقيل (٢): هو استفهام؛ أي: أيُّ شيء يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك؟ ونحو الآية على المعنى الأول قوله: {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (٥٢)} وعلى المعنى الثاني قوله: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ}.

ثمَّ ذكر علة أمره بالصبر فقال: {إِنَّ رَبَّكَ} يا محمد {لَذُو مَغْفِرَةٍ} لأنبيائه ومن آمن بهم {وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ} لأعدائهم الذين لم يؤمنوا بهم. وبما أنزل إليهم، والتزموا الأذيّة بهم، وقد نصر من قبلك من الرسل، وانتقم من أعدائهم، وسيفعل مثل ذلك بك وبأعدائك أيضًا، أو المعنى: {إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ} لمن يستحق مغفرته من الموحّدين، الذين بايعوك وبايعوا من قبلك من الأنبياء {وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ} للكفار المكذّبين، المعادين لرسل الله تعالى. أو المعنى (٣): إن ربك لذو مغفرة للتائبين إليه من ذنوبهم، بالصفح عنهم، وذو عقاب مؤلم لمن أصرّ على كفره، ومات على ذلك قبل التوبة.

وفي الآية (٤): إشارة إلى حال العلماء والدعاة، فإنهم ورثة الأنبياء، فلهم أعداء وحسّاد يطلقون ألسنتهم في حقهم باللوم والطعن بالجنون والجهل ونحو ذلك، ولكنهم يصبرون على الجفاء والأذى، فيظفرون بمراداتهم كما صبر الأنبياء فظفروا وفي آية أخرى: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا}؛ أي: ظاهرًا بهلاك قومهم، أو بإجابة الدعوة وباطنا بالتخلق بالأخلاق الإلهية مثل الصبر، فإنه نصر أيُّ نصر، إذ به يحصل المرام، وبالصبر ينقلب الإنسان


(١) المراغي.
(٢) الشوكاني.
(٣) المراغي.
(٤) روح البيان.