للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الضررَ بقوله: {فَكِيدُونِي جَمِيعًا} أنتم وآلهتكم، واحتالوا في إضراري إن كانت كما تَزْعمون، أنها تقدر على الإضرار بي، وأنها اعترتني بسوء، {ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ}؛ أي: لا تمهلوني ولا تؤخِّرُوني حتى آتِيَ بشيءٍ يحفظني من قراة وسلام، بل عاجلوني واصنعوا ما بَدا لكم، وفي هذا من إظهار عدم المبالاة بهم وبأصنامهم التي يعبدونها ما يصك مسَامِعَهم، ويوضحُ عَجْزَهم وعدمَ قدرتهم على شيءٍ قوله: {فَكِيدُونِي} بثبوت الياء وصلًا، ووقفًا لكلهم، والتي في المرسلات بحَذْفها، كذلك لكلهم، وأمَّا التي في الأعراف فمِنْ ياءات الزوائد فتحذف وقفًا لا غيرُ وتثبت وتحذَفُ في الوصل. ذكره "الجمل".

والكيد (١) إرادةُ مضرة الغير خفيةً، وهو من الخَلْقِ: الحِيلةُ السيئةُ، ومن الله التدبيرُ بالحقِّ، لمجازاة أعمال الخلق؛ أي: إن صحَّ ما تفوهتم به من كون آلهتكم مما تَقْدِر على إضرار من يَسُبُّها، ويَصُدُّ عن عبادتها، فإنِّي بَريءٌ منها، فكونوا أنتم وآلهتكم {جَمِيعًا} حال من ضمير {كيدوني} على قصد إهلاكي، بكل طريق {ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ}؛ أي: لا تمهلوني ولا تسامحوني في ذلك، (فالفاء) لتفريع الأمر على زعمهم في قدرة آلهتهم على ما قالوا، وعلى البراءة كليهما.

قال الزمخشري (٢): فإن قلت: هلَّا قيل: إني أُشهدُ الله وأشهدكم؟

قلت: لأن إشهاد الله على البراءة من الشرك إشهادٌ صحيح، ثابت في معنى تثبيت التوحيد، وأما إشهادهم فما هو إلا تَهاونٌ بدِينهم، ودَلالة على قلة المبالاة بهم فحَسْبُ، فَعَدَلَ به عن لفظ الأول لاختلاف ما بينهما، وجيءَ به على لفظ الأمر بالشهادة، انتهى. وقولُه: {ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ} هذا من (٣) معجزاته الباهرة؛ لأنَّ الرَّجُلَ الواحدَ إذا أَقْبَل على القوم العظام، وقال لهم: بَالِغُوا في عداوتي، وفي إيذائي، ولا تؤجِّلوني، فإنه لا يقول هذا إلا إذا كان واثقًا من الله بأنه يحفظه، ويصونه عن كيد الأعداء،

٥٦ - وهذا هو المُرادُ بقوله: {إِنِّي تَوَكَّلْتُ}، واعتمدتُ {عَلَى


(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.
(٣) الفتوحات.