للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وبضمهما وبها قرأ الحسن وعيسى بن عمر، وبفتح الباء مع سكون الخاء وبها قرأ قتادة وابن الزبير، وبضم الباء وسكون الخاء وبها قرأ جمهور الناس.

{وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ}؛ أي: يخفون ما أعطاهم الله سبحانه وتعالى، {مِنْ فَضْلِهِ} وإحسانه من العلم والمال وسعة الحال، فيشمل اليهود الذين كتموا صفة محمد - صلى الله عليه وسلم -، وما عندهم من العلم، والأغنياء الذين كتموا الغنى، وأظهروا الفقر وبخلوا بالمال، {وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} وضع (١) الظاهر موضع المضمر، إشعارًا بأن من هذا شأنه فهو كافر لنعمة الله سبحانه وتعالى، ومن كان كافرًا لنعمة الله فله عذاب يهينه، كما أهان النعمة بالبخل والإخفاء.

أي وهيَّأنا (٢) لهؤلاء بكبرهم وبخلهم وعدم شكرهم عذابًا يهينهم ويذلهم، فهو عذاب جامع بين الألم والذلة جزاءًا لهم على ما اقترفوا، وسماهم الله كفارًا للإيذان بأن هذه أخلاق وأعمال لا تصدر إلا من الكفور، لا من المؤمن الشكور. وفي الحديث الذي رواه أحمد أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا أنعم الله على عبده نعمة .. أحب أن يظهر أثرها عليه".

٣٨ - قوله: {وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} معطوف على قوله: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ}، ووجه ذلك (٣): أن الأولين قد فرّطوا بالبخل، وبأمر الناس به، وبكتم ما آتاهم الله من فضله، وهؤلاء أفرطوا ببذل أموالهم في غير مواضعها؛ لمجرد الرياء والسمعة، كما يفعله من يريد أن يتسامع الناس بأنه كريم، ويتطاول على غيره بذلك، ويشمخ بأنفه عليه، مع ما ضم إلى هذا الإنفاق الذي يعود عليه بالضرر من عدم الإيمان باللهِ ولا باليوم الآخر.

أي: وهم الذين يصرفون أموالهم في غير مصارفها، ليراهم الناس ويمدحوهم، ويقولوا فيهم: ما أسخاهم وما أجودهم، ولا يريدون بما أنفقوا وجه الله تعالى، ولا يصدقون بوحدانية الله تعالى، ولا بمجيء المعاد الذي فيه جزاء الأعمال.


(١) البيضاوي.
(٢) المراغي.
(٣) الشوكاني.