له، ولو احتاج إلى سلام أهل الكتاب يقول: السلام على من أَتبع الهدى، ولو رد يقول: وعليكم فقط. وقد مر ما يتعلق بالسلام، مشبعًا في سورة النساء، عند قوله تعالى:{وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّة} الآية. فراجعه.
٦٢ - {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ} نزلت حين جمع النبي عليه السلام المسلمين يوم الجمعة، ليستشيرهم في أمر الغزو، وكان يثقل المقام عنده على البعض، فيخرج بغير إذنه، أو في حفر الخندق، وكان المنافقون ينصرفون بغير أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان الحفر من أهم الأمور، حتى حفر رسول الله بنفسه، وشغل عن أربع صلوات، حتى دخلت في حد القضاء، فقال تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ} أي: الكاملون في الإيمان وهو مبتدأ خبره قوله: {الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} عن صميم قلوبهم، وأطاعوهما في جميع الأحكام في السر والعلانية. {وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ} - صلى الله عليه وسلم - {عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ} إلى آخره. معطوف على آمنوا، داخل معه في حيز الصلة؛ أي: على أمر مهم يجب اجتماعهم في شأنه كالجمعة والأعياد، والحروب والمشاورة في الأمور، وصلاة الاستسقاء وغيرها من الأمور الداعية إلى الاجتماع. ووصف الأمر بالجمع للمبالغة، في كونه سببًا لاجتماع الناس، فإن الأمر لكونه مهمًا عظيم الشأن، صار كأنه قد جمع الناس، فهو من قبيل إسناد الفعل إلى السبب؛ أي: والذين إذا كانوا معه على أمر جامع {لَمْ يَذْهَبُوا} من المجمع. ولم يفترقوا عنه لعروض عذر تجوز معه الإقامة في المسجد، كالزكام والصداع، فإن كان العذر يمنع المكث في المسجد، كالحيض والجنابة والإسهال، فإنهم لا يحتاجون إلى الاستئذان من النبي - صلى الله عليه وسلم -، بل هم مأذون لهم شرعًا اهـ. "شيخنا".
{حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ} - صلى الله عليه وسلم - في الذهاب فيأذن لهم، واعتبر في كمال الإيمان عدم الذهاب قبل الاستئذان؛ لأنه المميز للمخلص من المنافق. وقرأ اليماني (على أمر جميع).
والحال: أن الأمر الجامع، أو الجميع هو الذي يعم نفعه، أو ضرره. وهو الأمر الجليل الذي يحتاج إلى اجتماع أهل الرأي والتجارب. قال العلماء: كل أمر اجتمع عليه المسلمون مع الإِمام لا يخالفونه ولا يرجعون عنه إلا بإذن.