والمعنى: وإذا رجع بعضهم إلى بعض أظهروا شدة العداوة على المؤمنين حتى تبلغ تلك الشدة إلى عض الأنامل كما يفعل ذلك أحدنا إذا اشتد غيظه، ولما كثر هذا الفعل من الغضبان، صار ذلك كنايةً عن الغضب، حتى يقال في الغضبان: إنه يعضُّ يده غيظًا، وإن لم يكن هناك عضٌّ. والعرب تصف المغتاظ، والنادم بعضِّ الأنامل، والبنان، وإنما فعلوا ذلك لما رأوا من ائتلاف المؤمنين، واجتماع كلمتهم، وصلاح ذات بينهم ونصر الله إياهم حتى عجز أعداؤهم أن يجدوا سبيلًا إلى التشفي منهم، فاضطروا إلى مداراتهم.
{قُلْ} لهم: يا محمَّد {مُوتُوا} ملتبسين {بِغَيْظِكُمْ} وغضبكم، وهذا أمرٌ من الله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم - بأن يدعو عليهم بدوام ما يوجب هذا الغيظ، وهو قوة الإِسلام، وأن يدعو عليهم بالموت قبل بلوغ ما يتمنون، وليس أمرًا بالإقامة على الغيظ؛ فإن الغيظ كفرٌ، والأمر بالكفر غير جائز، ويجوز أن يكون معنى قوله تعالى:{قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ} أنه تعالى أمر رسوله بطيب النفس وقوة الرجاء والاستبشار بوعد الله إياه أنهم يهلكون غيظًا بإعزاز الإِسلام، وإذلالهم به كأنه قيل: حدث نفسك بذلك.
{إنَّ اللهَ} سبحانه وتعالى {عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}؛ أي: عالمٌ بما في القلوب؛ فيعلم ما تنطوي عليه صدوركم أيها المنافقون من البغضاءِ، والحقدِ، والحسد، ولا يخفى عليه ما تقولون في خلواتكم، وما يبديه بعضكم لبعضٍ من تدبير المكائد، ونصب الحيل للمؤمنين، وما تنطوي عليه صدور المؤمنين من حب الخير والنصح لكم، ويجازي كلا على ما قدم من خير أو شر، واعتقد من إيمان أو كفر.
ومعنى قوله:{بِذَاتِ الصُّدُورِ}؛ أي: بالمضمرات ذوات الصدور، وجعلت صاحبة للصدر لملازمتها لها، وعدم انفكاكها عنها نحو أصحاب الجنة، وأصحاب النار
١٢٠ - {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ}؛ أي: إن تصبكم منفعة الدنيا كانتصاركم على أعدائكم المقاومين المعارضين لدعوتكم، ودخول الناس في دين الله أفواجًا، وكصحة البدن، وحصول الخصب، والفوز بالغنيمة {تَسُؤْهُمْ}؛ أي: