والثاني منها: ما ذكره بقوله: {وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ}؛ أي: وإنكم تؤمنون بجميع ما أنزل الله من الكتب سواءٌ منها ما نزل عليكم، وما نزل عليهم فليس في نفوسكم جحدٌ لبعض الكتب الإلهية، ولا للنبيين الذين جاءوا بها حتى يحملكم ذلك على بغض أهل الكتاب، أما هم: فيجحدون بعض الكتب، وينكرون بعض النبيين.
وخلاصة الكلام: أنهم لا يحبونكم مع أنكم تؤمنون بكتابهم وكتابكم، فما بالكم لو كنتم لا تؤمنون بكتابهم كما أنهم لا يؤمنون بكتابكم؛ فأنتم أحرى، ببغضهم، ومع هذا تحبونهم ولا يحبونكم. قال ابن جرير (١): في الآية، إبانةٌ من الله عَزَّ وَجَلَّ عن حال الفريقين، أعني: المؤمنين، والكافرين، ورحمة أهل الإيمان، ورأفتهم بأهل الخلاف لهم، وقساوة قلوب أولئك وغلظتهم على أهل الإيمان، انتهى.
وقال قتادة: فوالله إنَّ المؤمن ليحب المنافق، ويأوي إليه ويرحمه، ولو أن المنافق يقدر من المؤمن على ما يقدر عليه المؤمن منه لأَبادَ خضراءه وأفناه وأهلكه.
وفي هذا: توبيخٌ للمؤمنين بأنهم في باطلهم أصلب منكم في حقكم.
والثالث منها: ما ذكره بقوله: {وَإِذَا لَقُوكُمْ}؛ أي: وإذا لقيكم يا معاشر المؤمنين هؤلاء المنافقون من اليهود وغيرهم، واجتمعوا معكم في المجالس ألانوا لكم القول حذرًا على أنفسهم منكم، و {قَالُوا آمَنَّا} وصدقنا بما جاء به محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - فإن نعته في كتابنا {وَإِذَا خَلَوْا}؛ أي: وإذا خلا بعضهم ببعضٍ، وانفردوا عنكم، ورجعوا، وصاروا في مكان خال، بحيث لا يراهم المؤمنون {عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ}؛ أي: عضوا الأنامل لأجل الغيظ والغضب عليكم. ففي الكلام تقديمٌ وتأخيرٌ، أي: أكلوا أطراف أصابعهم؛ لأجل شدة غيظهم وغضبهم عليكم.