بحيث لا يعلمه ملك فيكتبه، ولا شيطان فيفسده، ولا هوى فيميله، ثم لا شك أن من العباد عبادًا، إذ رأى الشيطان أثر سلطنة ولايتهم، وعزة أحوالهم، يذوب كما يذوب الملح في الإناء، ولا يبقى له حيل، ولا يطيق أن يمكر بهم، بل ينسى في رؤيتهم جميع مكرياته، ولا يطيق أن يرمي إليهم من أسهم وسوسته، بل مكره محيط به، لا بأهل الحق، وهكذا حال ورثة الشيطان من المنكرين المفسدين، مع أهل الله تعالى، فإنهم محفوظون عما سوى الله تعالى مطلقًا.
٨٤ - وجملة قوله:{قالَ فَالْحَقُّ} مستأنفة كالجمل التي قبلها؛ أي: قال الله تعالى: {فَالْحَقُّ} إلخ. الفاء: فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا حلفت بصفتي على إغوائهم، ثم أغويتهم، لتكون بارا في قسمك، وأردت بيان عاقبتك وعاقبتهم .. فأقول لك: الحق، بالرفع على أنه مبتدأ خبره محذوف؛ أي: فالحق قسمي، على أن الحق اسم من أسماء الله تعالى، كما في قوله تعالى:{أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ}، أو نقيض الباطل، عظمه الله تعالى بإقسامه به، ويحتمل أن يكون التقدير: فالحق مني، كما قال:{الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ}{وَالْحَقَّ أَقُولُ} بالنصب على أنه مفعول لأقول، قدم عليه للقصر؛ أي: لا أقول إلا الحق.
٨٥ - وقوله:{لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ}؛ أي: من جنسك من الشيطان، والجملة جواب القسم، وجملة {وَالْحَقَّ أَقُولُ} معترضة بين القسم وجوابه، {وَمِمَّنْ تَبِعَكَ} في الغواية والضلال بسوء اختياره {مِنْهُمْ}؛ أي: من ذرية آدم {أَجْمَعِينَ} تأكيد للكاف وما عطف عليه؛ أي: لأملأنها من المتبوعين والأتباع أجمعين، لا أترك أحدًا منهم. وفي «التأويلات النجمية»: ولما كان تجاسره في مخاطبته الحق، حيث أصر على الخلاف، وأقسم عليه أقبح وأولى في استحقاق اللعنة، من امتناعه السجود لآدم، قال فالحق إلخ، انتهى. فعلى العاقل أن يتأدب بالآداب الحسنة، قولًا وفعلًا، ولا يتجاسر على الله تعالى أصلًا، ولا يتبع خطوات الشيطان، حتى لا يرد معه النار.
وقرأ الجمهور:{فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ} بنصبهما، أما الأول فمقسم به، حذف منه الحرف كقولهم: أمانة الله لأقومن، والمقسم عليه {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ} {وَالْحَقَ