ذلك: هو صاحب ريبة مستخف بالليل، وإذا خرج بالنهار أري الناس أنه بريء من الإثم. ومعنى الآية: سواء ما أضمرت به القلوب، أو نطقت به الألسن، وسواء من أقدم على القبائح مستترًا في ظلمات الليل، أو أتى بها ظاهرًا في النهار .. فإن علمه تعالى محيط بالكل.
١١ - {لَهُ}؛ أي: لكل ممن أسر أو جهر والمستخفي والسارب، أو لعالم الغيب والشهادة، أو لكل إنسان {مُعَقِّبَاتٌ}؛ أي: ملائكة حفظة يتعاقبون عليه ويتناوبون به، يعقب وينوب بعضهم بعضًا في المجيء إلى من ذكر، وحفظه من المضار وكتب أعماله {مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ}؛ أي: من قدام ذلك الإنسان ومن ورائه حرس بالليل وحرس بالنهار يحفظونه من المضار، ويراقبون أحواله لا يفارقونه، كما يتعاقب عليه ملائكة آخرون لحفظ أعماله من خير أو شر ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، فاثنان عن اليمين والشمال يكتبان الأعمال، صاحب اليمين يكتب الحسنات، وصاحب الشمال يكتب السيئات، وملكان آخران يحفظانه ويحرسانه، واحد من ورائه وآخر من قدامه، فهو بين أربعة أملاك بالنهار وأربعة آخرين بالليل بدلان حافظان وكاتبان كما جاء في الحديث الصحيح:"يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر، فيصعد إليه الذين باتوا فيكم، فيسألهم وهو أعلم بكم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: آتيناهم وهم يصلون وتركناهم وهم يصلون".
وإذ علم الإنسان أن هناك ملائكة تحصي عليه أعماله كان حذرًا من وقوعه في المعاصي خيفة أن يطلع عليه الكرام الكاتبون، ويزجره الحياء عن الإقدام على فعل الموبقات، كما يحذر من الوقوع فيها إذا حضر من يستحيي منه من البشر، وهو أيضًا إذا علم أن كل عمل له في كتابٍ مدخر يكون ذلك رادعًا له داعيًا إلى تركه. وقال الصاوي: وهذه الآية من تدبرها وعمل بمقتضاها أورثته الإخلاص في أعماله، فيستوي عنده إسرار العبادة وإظهارها ليلًا أو نهارًا، والمراقبة؛ لأنه إذا علم أن هذه الأشياء مستوية عنده ولا يخفى عليه شيء منها .. فلا يستطيع أن يقدم على ما نهي عنه ظاهرًا ولا باطنًا انتهى. وليس أمر الحفظة بالبعيد عن العقل