للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

من فاعل {يَدْخُلُوها}؛ أي: نادوهم مسلمين عليهم حال كونهم؛ أي: حالة كون رجال الأعراف لم يدخلوا الجنة بعد؛ أي: الآن، والحال أنهم طامعون في دخولها لما بدا لهم من يسر الحساب. وقد جاء (١) في الآثار، أن الناس يكونون في الموقف بين الخوف والرجاء، لا تطمئن قلوب أهل الجنة حتى يدخولها. وروى أبو نعيم عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال: لو نادى مناد يا أهل الموقف ادخلوا النار إلا رجلا واحدا .. لوجدت أن أكون ذلك الرجل، ولو نادى ادخلوا الجنة إلا رجلا واحدا .. لخشيت أن أكون ذلك الرجل. وقرأ ابن النحوي (٢): {وهم طامعون} وقرأ إياد بن لقيط: {وهم ساخطون} وقال مجاهد: أصحاب الأعراف قوم صالحون فقهاء علماء، فعلى هذا القول: إنما يكون لبثهم على الأعراف على سبيل النزهة، وليرى غيرهم شرفهم وفضلهم، والمراد من هذا الطمع طمع يقين؛ أي: وهم يعلمون أنهم سيدخلون الجنة.

٤٧ - {وَإِذا صُرِفَتْ}؛ أي: وجهت {أَبْصارُهُمْ}؛ أي: أبصار رجال الأعراف بغير قصد. وقرأ الأعمش: {وإذا قلبت أبصارهم}. {تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ}؛ أي: إلى جهنم، وقد قرىء {تِلْقاءَ} هنا بمده وقصره قراءتان سبعيتان. {قالُوا}؛ أي: قال رجال الأعراف نعوذ بالله {رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}؛ أي: وكلما وقعت أبصار أصحاب الأعراف على أهل النار تضرعوا إلى الله تعالى في أن لا يجعلهم من زمرتهم، والمقصود من جميع هذه الآيات الإنذار والتخويف من التقليد الرديء؛ ليتبصر المرء في عاقبة أمره، فيفوز بالثواب المقيم في جنات النعيم. وفي التعبير (٣) بصرف الأبصار وتحويلها إيماء إلى أنهم يوجهون أبصارهم إلى أصحاب الجنة بالقصد والرغبة، ويلقون إليهم السلام، ويكرهون رؤية أهل النار، فإذا حولت أبصارهم إليهم من غير قصد ولا رغبة، بل بصارف يصرفهم إليها .. قالوا: ربنا لا تجعلنا معهم حيث يكونون، وفي ذلك من استعظام حال الظالمين،


(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٣) المراغي.