٨ - ثم فصل سبحانه هذه الأصناف الثلاثة، فقال: {فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (٨)}؛ أي: أصحاب اليمين ما أصحاب اليمين. {فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ} مبتدأ، خبره {مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ} على أن {مَا} الاستفهامية مبتدأ ثان، وما بعده خبره. وتكرير المبتدأ هنا بلفظه مغن عن الضمير الرابط، كما في قوله تعالى: {الْحَاقَّةُ (١) مَا الْحَاقَّةُ (٢)}، و {الْقَارِعَةُ (١) مَا الْقَارِعَةُ (٢)}. والاستفهام للتعظيم والتفخيم. والأصل: ما هم؛ أي: أيُّ شيء هم في حالهم وصفتهم. ولا يجوز مثل هذا إلا في مواضع التفخيم والتعظيم أو التهويل والتفظيع.
٩ - والكلام في قوله: {وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (٩)} كالكلام في قوله: {فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (٨)}.
وأصحاب الميمنة: هم الذين يأخذون كتبهم بأيمانهم. وأصحاب المشأمة: هم الذين يأخذون بشمائلهم. أو الذين يكونون على يمين العرش، فيأخذون طريق الجنة، والذين يكونون على شمال العرش فيفضى بهم إلى النار. أو أصحاب الميمنة: أصحاب المنزلة السنيّة، وأصحاب المشأمة: أصحاب المنزلة الدنيّة أخذًا من تيّمنهم بالميامن؛ أي: بطرف اليمين، وتشؤمهم بالشمائل؛ أي: بجانب الشمال. كما تقول: فلان منّي باليمين، أو بالشمال. إذا وصفته عندك بالرفعة أو الضمة. تريد ما يلزم من جهتي اليمين والشمال من رفعة القدر وانحطاطه. أو أصحاب اليمن، وأصحاب الشؤم. فإن السعداء ميامين على أنفسهم بطاعتهم، والأشقياء مشائيم عليها بمعاصيهم، أو أصحاب الميمنة الذين كانوا على يمين آدم يوم الميثاق، حين أخرجت ذريته من صلبه، قال تعالى في حقهم:"هؤلاء من أهل الجنة ولا أبالي". وأصحاب المشأمة: هم الذين كانوا على شماله، وقال تعالى فيهم:"هؤلاء من أهل النار ولا أبالي".
والمراد من هذا الكلام: تعجيب السامع من حال الفريقين في الفخامة، والفظاعة. كأنَّه قيل: فأصحاب الميمنة في نهاية السعادة، وحسن الحال. وأصحاب المشأمة في نهاية الشقاوة، وسوء الحال. فكأنه قيل: ما عرفت حاله، أي شيء هي، فاعرفها وتعجب منها.
١٠ - ثم ذكر سبحانه الصنف الثالث، فقال: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (١٠)} والتكرير فيه