أمّا نفاقهم وإفسادهم في الأرض فقد بلغ من الوضوح مبلغ الأمور المحسوسة التي تصل إلى الحواس والمشاعر، ولكن لا حسّ لهم حتى يدركوه.
انتهى.
١٤ - ثمّ بيّن سبحانه وتعالى، مصانعتهم ومعاملتهم مع المؤمنين بعد ما بيّن أولا مذهبهم ونفاقهم في الواقع، ونفس الأمر بقوله:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ}، فلا تكرار بين ما هنا وهناك، فقال:{وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا} قال صاحب «الروح»: وهذا بيان لمعاملتهم مع المؤمنين والكفار، وما صدّرت به القصة، فمساقه؛ لبيان مذهبهم وتمهيد نفاقهم، فليس بتكرير مع ما سبق؛ أي:
وإذا لقي هؤلاء المنافقون، وعاينوا، وصادقوا، واستقبلوا الذين آمنوا بالحقّ، وهم المهاجرون والأنصار {قالُوا}؛ أي: قال هؤلاء المنافقون كذبا: {آمَنَّا} كإيمانكم وتصديقكم، كما سبق في سبب النزول: أنّ عبد الله بن أبي المنافق وأصحابه خرجوا ذات يوم، فاستقبلهم نفر من الصحابة - رضي الله عنهم - الخ.
أي: وإذا رأى هؤلاء المنافقون المؤمنين، واجتمعوا معهم، أظهروا لهم الإيمان والموالاة نفاقا ومصانعة. {وَإِذا خَلَوْا}؛ أي: مضوا، أو اجتمعوا على الخلوة. و {إِلى} بمعنى: مع أو انفردوا و {إِلى} بمعنى: الباء، أو بمعنى: مع، تقول: خلوت بفلان، وإليه، إذا انفردت معه. {إِلى شَياطِينِهِمْ}؛ أي: إلى أصحابهم المماثلين للشيطان في التمردّ والعناد المظهرين لكفرهم. وإضافة الشياطين إلى ضميرهم للمشاركة في الكفر، أو إلى كبار المنافقين، والقائلون صغارهم، وكلّ عات متمرّد فهو شيطان.
وقال الضحاك: عن ابن عباس - رضي الله عنهما - المراد بشياطينهم: كهنتهم، وهم في بني قريظة: كعب بن الأشرف، وفي بني أسلم: أبو بردة، وفي جهينة: عبد الدار، وفي بني أسد: عوف بن عامر، وفي الشام: عبد الله بن سوداء. وكانت العرب تعتقد فيهم أنّهم مطّلعون على الغيب، ويعرفون الأسرار، ويداوون المرضى، وليس من كاهن إلّا وعند العرب أنّ معه شيطانا يلقي إليه