ويفتضح المنافق، وعند الامتحان يكرم الرجل أو يهان، والله تعالى عالم بخصائص جواهر الإنسان من الأزل إلى الأبد؛ لأنه خلقها على أوصافها من السعادة والشقاوة: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٤)}.
٣٢ - {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} بالله {وَصَدُّوا}؛ أي: منعوا الناس {عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}؛ أي: عن دين الإِسلام الموصل إلى رضا الله تعالى {وَشَاقُّوا الرَّسُولَ} محمدًا - صلى الله عليه وسلم -؛ أي: خالفوه وعادوه، وصاروا في شقّ في غير شقّه، المخالفة: أصل كل شرّ إلى يوم القيامة {مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى} بما شاهدوا من نعته - صلى الله عليه وسلم - في التوراة، وبما ظهر على يديه من المعجزات، ونزل عليه من الآيات، وهم قريظة والنضير، أو المطعمون يوم بدر وهم رؤساء قريش، وقيل: المنافقون {لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ} بكفرهم وصدّهم {شَيْئًا} من الأشياء، أو لن يضرّوا الله شيئًا، من الضرر، أو لن يضرّوا رسول الله بمشاقّته شيئًا، وقد حذف المضاف؛ لتعظيمه وتفظيع مشاقّته {وَسَيُحْبِطُ}{السين}: لمجرد التأكيد {أَعْمَالَهُمْ}؛ أي: مكايدهم التي نصبوها في إبطال دينه تعالى، ومشاقّة رسوله، فلا يصلون بها إلى ما كانوا يبغون من الغوائل، ولا يتم لهم إلا القتل، كما لقريظة وأكثر المطعمين ببدر، والجلاء عن أوطانهم كما للنضير.
وقيل: المراد بأعمالهم: ما صورته صورة أعمال الخير، كإطعام الطعام، وصلة الأرحام، وسائر ما كانوا يفعلونه من الخير، وإن كانت باطلة من الأصل؛ لأنّ الكفر مانع.
والمعنى (١): أي إنّ الذين جحدوا توحيد الله، وصدّوا الناس عن دينه الذي بعث به رسوله، وخالفوا هذا الرسول، وحاربوه، وآذوه من بعد أن استبان لهم بالأدلّة الواضحة، والبراهين الساطعة، أنه مرسل من عند ربّه، لن يضرّوا الله شيئًا؛ لأنّ الله بالغ أمره، وناصر رسوله، ومظهره على من عاداه وخالفه، وسيبطل مكايدهم التي نصبوها لإبطال دينه ومشاقّة رسوله، ولا يصلون بها إلى ما