للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ}؛ أي: تظهر أعمالكم، والأخبار: بمعنى المخبر بها؛ أي: ما يخبر به من أعمالكم، فيظهر حسنها وقبحها؛ لأنّ الخبر على حسب المخبر عنه، إن حسنًا فحسن، وإن قبيحًا فقبيح؛ يعني: (١) أنا نأمركم بالجهاد، حتى يظهر المجاهد، ويتبين من يبادر منكم ويصبر عليه من غيره؛ لأنّ المراد من قوله: {حَتَّى نَعْلَمَ}؛ أي: على الوجود والظهور، {وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ}؛ أي: نظهرها ونكشفها، ليتبين للناس من يأبى القتال، ولا يصبر على الجهاد، ومن يمتثل أمره ويصبر عليه.

وقيل المعنى (٢): {حَتَّى نَعْلَمَ}؛ أي: حتى نميّز المجاهدين في سبيل الله منكم يا معشر المنافقين والصابرين؛ أي: ونميّز الصابرين في الحرب منكم، {وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ}؛ أي: تظهر أسراركم وبغضكم وعداوتكم، ومخالفتكم لله ولرسوله.

وقرأ الجمهور الأفعال الثلاثة (٣) بالنون، وقرأ أبي بكر عن عاصم بالتحتية فيها كلّها، وقرأ الجمهور: {وَنَبْلُوَ}، بنصب الواو عطفًا على قوله: {حَتَّى نَعْلَمَ}. وروى ورش عن يعقوب: إسكانها على القطع عمّا قبله.

والمعنى: أي ولنختبرنّكم بالأمر بالجهاد، وسائر التكاليف الشاقّة، حتى يتبيّن المجاهد الصابر من غيره، ويعرف ذو البصيرة في دينه من ذي الشكّ والحيرة فيه والمؤمن من المنافق، ونبلو أخباركم، فنعرف الصادق منكم في إيمانه من الكاذب، قال إبراهيم بن الأشعث: كان الفضيل بن عياض إذا قرأ هذه الآية .. بكى، وقال: اللهم لا تبتلنا، فإنك إذا بلوتنا .. فضحتنا، وهتكت أستارنا.

وفيه إشارة إلى أنه بنار البلاء يخلص إبريز الولاء، قيل: البلاء للولاء كاللهب للذهب، فإنَّ بالبلاء والامتحان. تبين جواهر الرجال، فيظهر المخلص،


(١) الخازن.
(٢) تنوير المقابص.
(٣) الشوكاني.