للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ومعلومٌ (١) أن مثل هذه الجملة المصدّرة بإن تجيء كالعلةِ لِما قبلَها، فكأن المعنى: إتيان الله بكم جميعًا لقدرته على ذلك.

١٤٩ - {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ}؛ أي: وفي أي مكانٍ خرجت إليه يا محمد لسفرٍ، أو غزو. وقرأ عبد الله بن عمير: {وَمِنْ حَيْثُ} بفتح المثلثة تخفيفًا، {فَوَلِّ وَجْهَكَ}؛ أي: فاصرف، وحول، ووجه ذاتك في صلاتك {شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}؛ أي: تلقاء المسجد الحرام وجهة الكعبة. {وَإِنَّهُ}؛ أي: وإن التولي إلى المسجد الحرام في الصلاة {لَلْحَقُّ}؛ أي: للأمر الموافق للحكمة الثابت الذي لا يعرض له نسخ، ولا تبديل حال كونه واقعًا {وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} قرأ أبو عمرو: {يعملون} بالياء على الغيبة، وهو راجع للكفار؛ أي: من إنكار أمر القبلة، والباقون: {تعملون} بالتاء على الخطاب؛ أي: ليس هو بساهٍ عن أعمالكم، ولكنه محصيها لكم وعليكم، فيجازيكم بها يوم القيامة.

١٥٠ - {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ} في أسفارك ومغازيك من المنازل القريبة والبعيدة {فَوَلِّ وَجْهَكَ} في الصلاة {شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}؛ أي: تلقاءه {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ}؛ أي: وفي أي مكان كنتم فيه - يا أمة محمد - من أقطار الأرض مقيمين، أو مسافرين في برٍّ أو بحرٍ {فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ}؛ أي: فوجِّهوا وجوهكم في الصلاة من محالكم {شَطْرَهُ}؛ أي: شطر المسجد الحرام وتلقاءه.

وكرّر (٢) الله سبحانه وتعالى أمرَ التولي لشطرِ المسجد الحرام ثلاثَ مرات؛ لتأكيد أمر القبلة، فالثالثة مؤكدةٌ للثانية لا للأولى؛ لأنّا بينّا أن الأولى: في الإقامة، والثانية: في السفر، وأما الثالثة: ففي السفر أيضًا، فهي مؤكدةٌ للثانية، وحكمة هذا التأكيد: تثبيت هذا الحكم، وتقرير نسخ استقبال بيت المقدس؛ لأن النسخ من مظانِّ الفتنة والشبهة، مع أنه تعالى علق بكل آية فائدةً. أما في الآية الأولى فبيّن أن أهل الكتاب يعلمون أن أمر نبوة محمد، وأمر هذه القبله حق؛


(١) بيضاوي.
(٢) البحر المحيط.