للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

محمد وتبعوه تفوتهم تلك الفوائد، فغيروا نعته بالكتابة، فكتبوا في التوراة بدل أوصافه أضدادها، وكانوا إذا سئلوا عن أوصافه كتموها، ولم يذكروها، فأشار إلى التغيير بالكتابة بقوله: {وَلا تَشْتَرُوا} {وَلا تَلْبِسُوا} وإلى الكتمان بقوله: {وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ}. اه. {وَإِيَّايَ} لا غيري {فَاتَّقُونِ}؛ أي: فاخشون في أمر محمد صلّى الله عليه وسلّم، لا ما يفوتكم من الرئاسة؛ أي (١): فاتقون بالإيمان واتباع الحق، والإعراض عن حطام الدنيا وأعاده؛ لأن معنى الأول اخشوني في نقض العهد، وهذا معناه في كتمان نعت محمد صلّى الله عليه وسلّم، أو لأنّ الخطاب بالآية الأولى، لمّا عمّ العالم والمقلّد أمرهم بالرهبة التي هي مبدأ السّلوك، وبالثانية لمّا خصّ أهل العلم، أمرهم بالتقوى الذي هو منتهاه.

٤٢ - {وَلا تَلْبِسُوا}؛ أي: ولا تخلطوا {الْحَقَّ} المنزّل من عندي في أوصاف محمد صلّى الله عليه وسلّم {بِالْباطِلِ} المخترع من عندكم؛ أي: لا تخلطوا الحقّ الذي أنزلت عليكم في التوراة، من صفة محمد صلّى الله عليه وسلّم بالكذب الذي تكتبونه بأيديكم، من تغيير صفته، وتبديل نعته، وهو معطوف (٢) على ما قبله. واللّبس بالفتح: الخلط؛ أي: لا تخلطوا الحقّ المنزّل بالباطل الذي تخترعونه وتكتبونه حتى لا يميّز بينهما، أو لا تجعلوا الحقّ ملتبسا، بسبب خلط الباطل الذي تكتبونه في خلاله، أو تذكرونه في تأويله.

وفي «البحر» {وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ}؛ أي: الصدق (٣) بالكذب، قاله ابن عباس، أو اليهودية والنصرانية بالإسلام، قاله مجاهد، أو التوراة بما كتبوه بأيديهم فيها من غيرها، أو بما بدّلوا فيها من ذكر محمد صلّى الله عليه وسلّم، قاله ابن زيد، أو الأمانة بالخيانة؛ لأنهم ائتمنوا على إبداء ما في التوراة، فخانوا في ذلك بكتمانه وتبديله، أو الإقرار بنبوة محمد صلّى الله عليه وسلّم إلى غيرهم، وجحدهم أنه ما بعث إليهم، قاله أبو العالية، أو إيمان منافقي اليهود بإبطان كفرهم، أو صفة النبي صلّى الله عليه وسلّم بصفة


(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.
(٣) البحر المحيط.